حوار هادئ مع السيد وزير العدل

حوار هادئ مع السيد وزير العدل

حوار هادئ مع السيد وزير العدل

 تونس اليوم -

حوار هادئ مع السيد وزير العدل

معتز بالله عبد الفتاح

كشف السيد وزير العدل عن سياسة تتبناها الوزارة لعقود طويلة. و«كشف» هنا معناها أنه قال لنا ما يحدث فعلياً ولم ينشئ وضعاً جديداً لم يكن موجوداً من قبل.

وسأعود زمنياً إلى قرابة عام مضى حين كنت فى نقاش مشابه مع أحد السادة القضاة، الذى يأتى من خلفية اجتماعية عالية نسبياً، وقال كلاماً مشابهاً. وقدم القاضى كل ما يستطيع من أدلة على أن مهنة «جامع القمامة» تخلق فى صاحبها وأبنائه شعوراً بالدونية الاجتماعية والثقافية تجعله غير مؤهل نفسياً وفكرياً واجتماعياً لمنصب القاضى.

هذا الموضوع يفتح أربعة ملفات:

أولاً، قضية النظر لجامع القمامة كمجتمع وكدولة. واحدة من آفات مجتمعنا أننا ننظر لبعض المهن بدونية لا تليق إلا بمجتمعات متخلفة. ونحن متخلفون بالفعل فى هذا المقام. وهذه المهن من الناحية العملية هى من أهم المهن التى تستحق أن تدعم مادياً ومعنوياً. وأن يكرم رئيس الجمهورية شخصياً بعضهم فى عيد العمال.

ثانياً، قضية التعليم كأداة للحراك الاجتماعى. مصر لا ينبغى أن يوجد فيها نظام الطبقات الاجتماعة المغلقة أو الـ(cast system) حيث يكون ابن الفلاح فلاحاً أو ابن العامل عاملاً بالضرورة، حتى لو حصل على أعلى الشهادات. واحدة من أهم وظائف التعليم هو أنه يتيح لأصحاب المواهب المختلفة أن يبرزوا مواهبهم وأن ينتقلوا مما كانوا عليه إلى وضع أفضل. ورغماً عن كل مثالب التعليم فى مصر، فإن المصريين ينفقون أموالاً طائلة على الدروس الخصوصية بهذا الأمل. فلا ينبغى للدولة أن تقتله.

ثالثاً، قضية المعايير الموضوعية فى الحكم على الأشخاص. المعيار الوحيد يا سيادة الوزير هو الكفاءة وجزء من الكفاءة هو توازن الشخصية؛ فكم من أشخاص جاءوا من خلفيات اجتماعية متواضعة ولكنهم بالقراءة والثقافة والعلم وحسن الاجتهاد نجحوا فى عبور القيود النفسية والاجتماعية لطبقاتهم، ليصبحوا أشخاصاً لهم وزنهم خارج مصر وداخلها. ولماذا نحرم مرفق القضاء من مثل هؤلاء؟ والعكس صحيح أيضاً، كم من أبناء «علية القوم» كانوا أشخاصاً فاقدى الأهلية الفكرية والثقافية والنفسية. التعميم هنا خطر مثلما هو خطأ.

رابعاً، دور الوزارات فى إعداد العاملين فيها للمهن التى يشغلونها. من المتوقع يقيناً أن تكون هناك مهن بحاجة لتدريب المقبلين الجدد للعمل فيها، هذا الكلام ينطبق على وزارة الخارجية والقضاء والشركات والمصانع والبنوك. الإعداد النفسى والذهنى والتربوى والفنى للموظفين الجدد ليس رفاهية. ولو دخل إلى سلك القضاء شخص شاطر حصل على تقدير عالٍ وأثبت كفاءته الفنية ويحتاج لهذا التدريب ولم يجده، فالعيب فى الوزارة.

كتب أخى وزميل تختتى فى الإعدادى والثانوى، د. محمد صبرى يوسف، أحد أبرز علماء مصر الشباب فى الكيمياء الحيوية، من جامعته فى الولايات المتحدة ما يلى:

«أية رسالة يبعث بها وزير العدل إلى مجتمع أكثر من ثلثيه إما فقراء معدمون أو فقراء تحسبهم أغنياء من التعفف.. أى إهدار لقيم العمل والاجتهاد والكدح الشريف هذا الذى يروج له هذا الوزير.. هل هذا التصريح يساعد على استنهاض همم المصريين التى يتحدث عنها الرئيس فى كل خطاباته؟.. ما معنى تقسيم المناصب على أساس طبقى فى القرن الواحد والعشرين.. ألا يعلم هؤلاء ما يدور فى العالم المتقدم وكيف تشغل المناصب المهمة على أساس الكفاءة فقط.. وأن التمييز فى الوظائف على أساس عرقى أو دينى أو طبقى جريمة يعاقب عليها القانون.. أليس المواطنون كافة كأسنان المشط أمام القانون متساوون فى الحقوق والواجبات؟ هل ما قصده الوزير أن القضاء هو عزبة القضاة، ولا مكان فيه للصعاليك من عامة الشعب وأولادهم مهما بلغ تميزهم واجتهادهم؟.. هل القضاة وأولادهم هم السادة وباقى الشعب عبيد كما قال أحدهم يوماً ما؟.. أما آن لهذه الوجوه الشائهة أن تغيب؟».

لا أعرف إن كان السيد الوزير يتبنى نظرة طبقية أم هى رؤية مهنية من تراكم خبرات مرت عليه أو مر بها، وسواء هذه أو تلك فما قاله يحتاج إلى مراجعة، لأن الملايين من بسطاء المصريين يستحقون أن يحتلوا المواقع التى تتناسب مع قدراتهم وطموحاتهم واجتهادهم وعلى الدولة أن تساعدهم فى ما لا ذنب لهم فيه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار هادئ مع السيد وزير العدل حوار هادئ مع السيد وزير العدل



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 18:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:30 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

مجالات جديدة وأرباح مادية تنتظرك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 09:11 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

فريق نادي "النصر" يكتسح "نجران" بخماسية ودية

GMT 02:55 2017 الأحد ,05 آذار/ مارس

"بونت لاند" تتحدث عن سبب اعتقال شيخ قبلي

GMT 07:36 2014 الأحد ,22 حزيران / يونيو

12 مسلسلًا على قناة "أيه أر تي" حكايات في رمضان
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia