«سارين» الكرملين وترامب

«سارين» الكرملين وترامب

«سارين» الكرملين وترامب

 تونس اليوم -

«سارين» الكرملين وترامب

بقلم : وليد شقير

مثل سلفه باراك أوباما، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتمنى لو أن المعارضة السورية لم تكن تملك تلك الوسائل الإعلامية التي تمكنها من توثيق القصف الإجرامي لطائرات النظام السوري لبلدة خان شيخون في ريف إدلب بغاز السارين، والفظاعات التي سببها هذا القصف. ففي 21 آب (أغسطس) عام 2013 أحرج إجرام النظام ظهور حقيقة المجزرة التي ارتكبها في الغوطة الشرقية وبلدة زملكا ومعضمية الشام، وأدت إلى مقتل أكثر من 1400 مواطن سوري الكثير منهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن الآلاف الذين نقلوا إلى المستشفيات.

في حينها أصيب أوباما بالغثيان، ليس حزناً على الضحايا السوريين، بل نتيجة الحرج الذي وقع فيه بفعل تخطي بشار الأسد الخطوط الحمر التي رسمها له، والذي اضطره إلى أن يفكر بالرد على هذا الفعل بعمل عسكري، فيما كان في الاجتماعات المغلقة مع أركان إدارته يتردد في تنفيذه، كما كشف في مقابلته الشهيرة مع مجلة «ذي أتلانتيك» في نيسان (أبريل) 2016، إلى أن أنقذه فلاديمير بوتين من التخبط، عن طريق اتفاقهما على نزع السلاح الكيماوي من سورية، الذي أثبتت مجزرة خان شيخون أنه كان أشبه بمسرحية هدفت إلى إطالة عمر نظام الأسد.

ومن راقب تطور رد الفعل عند إدارة ترامب، وكيف تدرجت تعليقاتها على المجزرة الأخيرة، بدءاً من القول إنها لن تغير موقفها من مسألة بقاء الأسد بفعل «الواقعية السياسية» وإن خيار تغيير النظام ليس موجوداً، إلى قول ترامب نفسه إن الأفعال الشائنة للنظام هي «تجاوز لخطوط حمر كثيرة»، وإنه غير موقفه من الأسد، وتلويح مندوبته في الأمم المتحدة نيكي هايلي بأن بلادها ستتصرف منفردة إذا لم يصدر قرار عن مجلس الأمن يمنع «تكرار» الجرائم، يكتشف مدى تطابق سلوك الإدارتين السابقة والحالية. فترامب اضطر إلى رفع اللهجة بعدما تصاعد رد الفعل الغربي، لا سيما الأوروبي، وبعدما ذرف حليفه المدلل بنيامين نتانياهو دموع التماسيح على الأطفال المقتولين الذين جرى تكديس جثثهم في شاحنات. وفيما وجه ترامب اللوم إلى إدارة أوباما بأنها لم تفعل شيئاً بعد مجزرة عام 2013 على رغم تخطي الأسد الخط الأحمر، جاء من يذكره في الصحف الأميركية، على وقع بث صور أطفال ونساء ورجال يلفظون أنفاسهم، بأنه في ذلك الحين قال في تغريدة على «تويتر»: «الرئيس أوباما، لا تضرب سورية... ووفر ما لديك ليوم آخر». لعب الإعلام الأميركي دوراً في تعديل لهجة الرئيس الأميركي التي بنيت على ما يعتبره «حماقة السذاجة الأخلاقية التبشيرية» في التعاطي مع الوضع السوري، فالمعلقون الأميركيون (مثل توماس فريدمان في «نيويورك تايمز») تحدثوا عن «سذاجة» توجهات ترامب بإعطاء الأولوية لضرب «داعش» من دون إيلاء أهمية لدعم روسيا وإيران الأسد ودورهم جميعاً في بروز التنظيم.

هاجم ترامب أوباما ليبرر لنفسه انتهاج الأسلوب ذاته.

السلوك الروسي هو ذاته أيضاً، مقارنة بمجزرة الغوطة قبل 4 سنوات. حينها ادعت موسكو أن أقمارها الاصطناعية التقطت صوراً لإطلاق صاروخين على الغوطة من منطقة دوما، ثم ما لبثت الكذبة أن انكشفت.

فالكرملين يبث غاز «السارين» في المشهدين الإعلامي والسياسي ووسائل التواصل الاجتماعي والأروقة الديبلوماسية، لتسميم الحقائق التي تسوغ له مواصلة دعمه النظام على رغم هجومه على خان شيخون، كما أعلن بفجاجة.

هجوم الطيران السوري بغاز السارين الأخير سبقته هجمات موثقة بغاز الكلور عامي 2014 و2015 شملت حلب. واستسهال الأسد تكرارها يعود إلى تصريحات السفيرة هايلي الأسبوع الماضي ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، بأن إزاحة الأسد ليست أولوية، في وقت كان الانتقال السياسي على طاولة مفاوضات جنيف5. وهذا ما جعله يثق بنفسه أكثر. وواشنطن حملته على أن يختبرها.

هل يغير ترامب موقفه فعلاً، أم أن التعديل اللفظي لمواقفه، بالحديث عن أن «روسيا مشكلة» كما قالت هايلي، هدفه التغطية على التحقيقات التي يجريها الكونغرس الأميركي بصلاته مع الروس قبل الانتخابات الرئاسية ثم قبيل تسلمه مهماته، عبر قنابل دخانية لها مفعول جزيئيات «السارين» لإطفاء تأثير فضائح تلك الاتصالات؟

ثمة من يعتقد أن الرئيس الأميركي يحتاج إلى أكثر من الظهور بمظهر المختلف مع بوتين حول سورية، كي يتخطى أزمة التحقيقات مع فريقه، أي إلى تغيير حقيقي. وسواء صح هذا أم ذاك من الاستنتاجين، فإن السارين الحقيقي يقتل السوريين، والآخرون يتلاعبون بالنتائج، وموسكو تستفيد من ارتماء الأسد في حضنها أكثر قياساً إلى طهران.

المصدر : صحيفة الحياة

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سارين» الكرملين وترامب «سارين» الكرملين وترامب



GMT 05:51 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الشرق الأوسط «الإيراني» والتنف السوري

GMT 05:10 2017 الجمعة ,12 أيار / مايو

الجمباز الروسي في سورية

GMT 05:56 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

مناطق آمنة للدول أم للسوريين؟

GMT 05:53 2017 الجمعة ,28 إبريل / نيسان

روسيا المرتبكة تنتظر ترامب

GMT 06:15 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

جنرالات ترامب وإيران وسورية واليمن

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia