الطبقة السياسية وإشغال الفراغ بالفتنة

الطبقة السياسية وإشغال الفراغ بالفتنة؟

الطبقة السياسية وإشغال الفراغ بالفتنة؟

 تونس اليوم -

الطبقة السياسية وإشغال الفراغ بالفتنة

طلال سلمان

تجتاح الحروب التي يختلط فيها فشل العديد من الأنظمة العربية في حماية مجتمعاتها وربما كياناتها السياسية مع تعاظم هجمات الأصوليات الإسلامية بقيادة «داعش» و «القاعدة» ومشتقاتهما التي توظف الشعار الديني لأهدافها في هدم الكيانات القائمة والتأسيس لدولها، والتي استدعت تدخلاً دولياً، على الأرض وفي الفضاء يمكن أن يبدل في الخرائط السياسية بالحذف أو الإضافة أو التعديل نحو الأسوأ.
أما في لبنان، بدولته البلا رأس، حيث موقع «الرئيس» شاغر منذ عام ونصف العام ومرشح لأن يبقى شاغراً حتى إشعار آخر، والمجلس النيابي مقفل ونوابه في عطلة مفتوحة، والحكومة المشروخة بالخلافات معطلة عن الإنتاج مما يعلّق مجلس الوزراء في الفراغ، فإن الطبقة السياسية تمضي في ممارسة هوايتها المفضلة بتحريك السكين في جراح الانقسام الذي يتبدى سياسياً في حين أن إشعاعاته وانعكاساته طائفية ومذهبية..
وهذه الطبقة السياسية المترفة بمداخيل «شرعية» ولو كانت في حكم «الحرام»، وغير شرعية ولو كانت في حكم «الحلال»، لا تهتم بتفاقم العجز في مالية الدولة منذراً بخطر الإفلاس، ولا تجد في «النفايات» إلا موضوعاً لجني الثروات، بمعزل عما يمكن أن تشكل من مخاطر على صحة رعاياها وعلى البيئة في هذا البلد الجميل الذي طالما تبارى الشعراء في إنشاد قصائدهم في طبيعته الخلابة كما في حسن ضيافة أهله، في حين رآه «العرب» مصيفهم ومشتاهم ومصرفهم ومقهاهم ومشفاهم ودار نشر إبداعاتهم ومنبر أفكارهم وصحيفة الصباح.
ومفهوم أن اللبنانيين متعددو الانتماء السياسي، وبالتالي يسهل على كل طرف أن يتهم الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، بالولاء للخارج، والخارج يمتد من واشنطن إلى طهران، ومن موسكو إلى عواصم الغرب الأوروبي المؤثرة كباريس وبون ولندن، كما أنه يشمل مواقع التأثير عربياً كالرياض والدوحة وعواصم خليجية أخرى في غياب مصر عن دورها القيادي وغرق كل من دمشق وبغداد في دماء شعبيهما في الحرب فيهما وعليهما.
على أن الطبقة السياسية تحاول إشغال الفراغ في الدولة البلا رأس والمغيّبة مؤسسات السلطة الشرعية فيها، بمعارك وهمية قد يكون لها بعض الدوي، وقد تهدد الرعايا القلقين على أمنهم وعلى الاستقرار في وطنهم الصغير، ولكنها تظل أعجز من أن تؤثر في سياق الصراع الدولي المفتوح على منطقتنا ذات الموقع الاستراتيجي الخطير، في غياب أهلها.
... مع أن هذه الطبقة السياسية تعرف أن معاركها بل «حروبها» لن يكون لها تأثير جدي على نتائج الصراع الدولي المفتوح، الذي يستفيد من الانقسام الذي وصل إلى حد الاقتتال الأهلي في العديد من الأقطار العربية وهو ينذر بالتوسع إلى أقطار أخرى، فإنها تمضي في تسعير الخلافات الداخلية ودفعها إلى حافة الصدام، بينما ليس هناك من يهتم جدياً فيندفع إلى تقديم المبادرات سعياً إلى الوصول إلى حلول وسط تعيد «بعث» الدولة بتسهيل الانتخابات الرئاسية عبر أسباب الضغط والإغراء على الطبقة السياسية لوقف الاشتباك والتقدم نحو «التفاهم»، بل هي تواصل الاندفاع أو دفع البلاد نحو حافة الحرب الأهلية... والتي ستكون، إذا لم تتدخل العناية الإلهية لمنعها، أفظع وأشمل من كل ما شهده لبنان من «إنجازات» الطبقة السياسية في مجال الحرب الأهلية ـ العربية ـ الدولية، في الماضي القريب.
ليس بين العرب الآن وسيط صالح ومؤهل لجمع الطبقة السياسية على حل وسط في مؤتمر على غرار الطائف. فدمشق الغارقة في دمائها عاجزة عن الاهتمام بما هو خارجها، وبغداد تكافح للحفاظ على هيكلية الدولة في العراق، والوسيط العربي السابق ممثلاً في المملكة المذهبة تحوّل إلى طرف مقاتل يحاول اجتياح اليمن بالطيران مستعيناً في البر بالقوى المجمّعة من «إخوته الصغار» في الخليج، مضافاً إليهم نجدة عسكرية مؤثرة جاءته من السودان مؤخراً قوامها ثلاثماية جندي... و «العدو» هو إيران، بالاسم، بكل الدلالات والإيحاءات ذات الشميم المذهبي.
أما «الدول» فتتعامل مع قوى الأمر الواقع، الأقوى فالقوي وصولاً إلى الأضعف..
ويفترض أن تكون التجارب قد أكدت المؤكد في السياسة الواقعية وهي أن هذه «الدول» بحاجة إلى لبنان كله، بصيغته الفذة التي أبدعتها العواصم البعيدة، وهي الصيغة التي تكاد تُعتمد الآن في الدول العربية التي تمزقها الحروب الأهلية التي تستبطن قوى التدخل الخارجي.
إن هذا الكيان المبتدع بنظامه الفريد في بابه قد يهتز ولكنه لا يسقط، حتى لو سقطت «الدولة» وسقط معها ألوف الضحايا في صراع عبثي مكلف ولو أنه أعجز من أن يغير «المكتوب»!
فلنرحم هذا الوطن الصغير والجميل والذي لا شبيه له ولا بديل منه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطبقة السياسية وإشغال الفراغ بالفتنة الطبقة السياسية وإشغال الفراغ بالفتنة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:13 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:28 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية يؤكد أن الوضع الأمني في تونس مستقر

GMT 04:41 2013 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

"الحر" أصبح جاهزًا لضرب الجيش السوري بسلاح الجو

GMT 00:54 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

زهور جديدة تتفتح دومًا من "فان كليف آند آربلز"

GMT 13:03 2018 الجمعة ,17 آب / أغسطس

أم تقتل ابنتها بـ"إيد الهون" في "البحيرة"

GMT 11:30 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

تعرف علي قائمة موضة ألوان أزياء شتاء 2019
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia