حتى لا ننسى

حتى لا ننسى ..

حتى لا ننسى ..

 تونس اليوم -

حتى لا ننسى

طلال سلمان

لا يجوز أن تمر الإهانة التي لحقت بالشعب اللبناني في المجلس النيابي يوم الأربعاء الماضي وكأنها من «تفاصيل اللعبة السياسية»، التي طالما هدرت كرامة هذا الشعب وتسبّبت في تعميق أسباب الخلاف السياسي المموّه بالطائفية والمذهبية.
لقد اغتيل الرئيس الشهيد رشيد كرامي، مرة ثانية بل ثالثة، بل عاشرة، واغتيلت معه مبادئ العدالة وكرامة اللبنانيين، على اختلاف توجهاتهم... فليس من ارتكب تلك الجريمة مجهولاً، ولا هو حوكم وحكم غيابياً، ولا حاكمه قضاة أجانب أو خصوم سياسيون. كذلك الأمر بالنسبة للجريمة المريعة باغتيال الشهيد داني شمعون وعائلته، فضلاً عن سائر الذين ذهبوا ضحية الاختلاف في الرأي السياسي مع الذين أدينوا بجرائم القتل العمد.
وليس أمراً مشرفاً لمن يُفترض، نظرياً، أنهم «نواب» عن الشعب اللبناني المقهور بقياداته السياسية ـ الطائفية، أن يكونوا قد انقسموا بين مروّج للجريمة مبرّئ للمُدان بها مع مكافأة التصويت له كمرشح للرئاسة، وبين صامت أخرس عن الحق وعن طلب العدالة والتسليم بما جرى وكأنه أمر طبيعي في بلد منقسم على ذاته... علماً بأن الشهيد رشيد كرامي لم يحمل سلاحاً طوال حياته ولم ينشئ ميليشيا ولم يقتل على الهوية ولم ينسف بيوتاً بمن فيها.
لقد مُنح المُدان بجرائم الاغتيال والقتل العمد براءة لا يستحقها، بشهادة أحكام المجلس العدلي الذي ما زال رئيسه حياً يرزق وهو اليوم بين قضاة المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ومخيف أن تبلغ الحياة السياسية هذا الدرك، بحيث ينقسم النواب بين مؤيّد للمُدان بالقتل العمد رئيساً، وبين مستنكف عن التصويت المختبئ خلف الورقة البيضاء التي لا يمكنها أن تخفي التهرّب من المسؤولية الوطنية بدل الرد بإعادة الاعتبار إلى الشهداء، وأولهم الرئيس رشيد كرامي الذي لا يقبل الطعن لا في وطنيته ولا في نظافة كفه ولا في نهجه السلمي وحرصه على الوحدة الوطنية التي اغتيلت، مرة أخرى، مع اغتياله.
وأبسط الأسئلة التي تفرض نفسها: لماذا لم يعط أصحاب الأوراق البيضاء أصواتهم لرشيد كرامي وداني شمعون وسائر ضحايا الاغتيال المخطط له بدم بارد، وفي الجو والبر على حد سواء؟
ومن حق هذا المُدان المبرّأ لأسباب سياسية من المسؤولية المباشرة عن جرائم قتل فعلية أن يتحوّل إلى «قاض» بل إلى «مدع عام» يحاسب من لم يرفعه إلى سدة الرئاسة، وكأن ذلك حقه الشرعي بشهادة سجله العدلي المنظّف حديثاً، بالنكاية والرغبة في الثأر من الحق والعدالة والدم المهدور غيلة.
لقد سقط النواب عموماً في امتحان الأخلاق قبل المبادئ والقيم... ومن يهدر دماء شهداء كبار سجلوا صفحات مجد في التاريخ السياسي لهذا البلد لا يؤكد بذلك الحرص على وحدة بنيه وحماية الوحدة الوطنية و«الكيان» ودولته التي كانت ـ ولعلها لا تزال ـ مهددة.
وإذا كان الانقسام السياسي قد شجع المُدان بارتكاب مجازر جماعية واغتيال قادة وطنيين والالتحاق بالعدو الإسرائيلي ومقاتلة مواطنيه تحت علم عدو الوطن وأهله وبسلاحه، على التطلع إلى المنصب السامي، فماذا يتبقى من قيمة للحياة السياسية في هذا البلد الممزق بالفتنة، نائمة أو موقظة بفعل فاعل، وماذا يتبقى من قيمة للمواقع القيادية في هذا النظام إذا كانت متاحة للمزايدين في القتل الجماعي والتهجير وانتهاك الدستور والقانون وسفاحي الوحدة الوطنية؟!
أخطر ما كشفته وقائع تلك الجلسة التاريخية إسقاط الحد الفاصل بين حرية العمل السياسي وحرية القتل الجماعي، بين الديموقراطية والجريمة الموثقة.
لقد كانت الجرائم المرتكبة وقائع مادية ثابتة، وكذلك الأحكام التي صدرت بحق مرتكبيها... وهي وقائع لا يذهب بها عفو نيابي لأنها راسخة في ضمائر هذا الشعب ـ الضحية، ولا ينفع في طمسها أن يتقدم المحكوم بالدليل الحسي إلى أرفع موقع في النظام، بحيث يصير مصدراً للعفو بدل أن يكون حيث كان يفترض أن يكون، نتيجة ارتكاباته التي لا تسقط من الذاكرة الوطنية حتى لو تجاهلها السادة النواب، بأكثريتهم، أو اعتبرها الآخرون تذكرة عبور إلى منصب القاضي الأول، ومصدر العفو عن المرتكبين!

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا ننسى حتى لا ننسى



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 06:35 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر

GMT 10:36 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

البرازيلي بيليه يكشف أهم مزايا الفرنسي مبابي

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 17:59 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

ترامب يغادر مؤتمره الصحفي بشكل مفاجئ

GMT 13:04 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اصابة رئيس بلدية الزعفران بكورونا في الكاف
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia