اللاجئون السوريون في لبنان مأساة لا حل لها

اللاجئون السوريون في لبنان... مأساة لا حل لها

اللاجئون السوريون في لبنان... مأساة لا حل لها

 تونس اليوم -

اللاجئون السوريون في لبنان مأساة لا حل لها

جهاد الخازن

يومان في بيروت - 2

ذهبتُ وأخي إلى شتورة، وانتظرنا، حسب موعد مسبق، وصول ست نساء سوريّات من مخيمات المنطقة، فقد كنتُ أريد أن أسمع بنفسي ما يقلن عن أحوالهن وتوقعاتهن.

انتظرنا في متجر «جرجورة» وجزء صغير منه على شكل مقهى، وجاءت امرأة تتسول فأعطاها أخي شيئاً. بعد قليل أرسلَتْ المرأة ابنة في حوالى الثامنة لتتسوّل أيضاً، وكنا نرى الجميع في الخارج عبر زجاج المقهى، وأعطاها أخي شيئاً. وعادت المرأة لتُرسل إلينا طفلاً في حوالى الرابعة من العمر أعطاه أخي شيئاً وخرج.

جاءت اللاجئات بعد قليل وحدثتهنّ ثم توقفت، فقصص البؤس والمعاناة والجهل بما يخبئ المستقبل لجمت لساني وهنّ في انتظار رحمة الله، لا حكمة حاكم أو محكوم، وغلبتني عاطفتي، وأنا لست عاطفياً أبداً، وخرجتُ، أو هربتُ، وتركتُ أخي يحدّثهن.

المرأة المتسوّلة في الخارج أقبلت عليّ بولديها وقلت لها بضيق: يا أختي أعطيناك والبنت والصبي. ما في أحد غيرنا؟ ردّت: لا ما في. شوف حولك. فررتُ إلى السيارة وأنا ألعن نفسي وألعن فضولي وألعن عيشي كله، فقد كنت قرب بداية السنة رأيتُ على التلفزيون اللاجئين السوريين في لبنان في خيام يغطيها الثلج وقررت أن أجتمع ببعضهم لأسمع منهم.

اللاجئات السوريات كنّ في منتهى التهذيب، وبدا لي أنهن على درجة من التعليم والمعرفة بما يجري حولهن. كن أربع محجّبات واثنتين منقبتين قالتا إنهما ابنتا خالتين. وقالت لي إحدى اللاجئات الست أنها أم لتسعة أطفال مع أنني قدّرت عمرها بحوالى 40 سنة فقط.

عدتُ إلى بيروت في أسوأ حال، ووجدتها خاوية على عروشها. المتاجر في شوارع ضمن وسط المدينة مغلقة، والمفتوح الباقي بلا زبائن.

الساعة في وسط ساحة النجمة أشارت إلى الوقت الصحيح، إلا أنني لم أرَ شيئاً آخر صحيحاً في بيروت أو لبنان. البلد من خطأ إلى خطأ أكبر منه، وكل طرف يدين الأطراف الأخرى ويدّعي البراءة.

الناس الآخرون أرحم بنا من أنفسنا، وفي الطائرة جلست قربي شابة إنكليزية قالت لي أنها من ضباط سلاح البحرية البريطانية، ومعها زميل في مقعد خلفي، وهما ذاهبان إلى لبنان لتدريب جنود على استعمال سلاح دفعت ثمنه المملكة العربية السعودية. قالت أن زوجها في القوات الخاصة وهي في بداية الحمل وتريد أن تعود مع أسرتها في إجازة إلى لبنان يوماً لأنه جميل. وكان في المطار ممثلون للجيش لاستقبالها وزميلها.

عدتُ إلى البيت في نهاية النهار وحاولتُ أن أركّز على مشاعر الصداقة لدى العسكرية البريطانية أو ما بدا لي من وعي اللاجئات السوريات وفشلت وهرعت إلى مكتبتي كالعادة فراراً من الأفكار السُّود. لا أدري لماذا اخترتُ: «فقه اللغة» للثعالبي فقد قرأتُه غير مرة في السابق. طبعاً المصائب لا تأتي فرادى، كما يقول الفرنسيون، فما وصلت إلى الصفحة 24 من الكتاب حتى وجدتُ في فصل عنوانه «في ذكر ضروب الحيوان» أن: كل كريمة من النساء والإبل والخيل وغيرها فهي عقيلة. هكذا جمع الثعالبي عن الليث عن الخليل عن أبي سعد الضرير عن ابن السكيت وابن الأعرابي وغيرهم من الأئمة. إذا جُمِعت المرأة مع الإبل والخيل فلماذا لا يُجمع الرجل مع كل حيوان ويسمّى «عقيل» لأنه يحتاج أن يُعقَل حتى لا يركل زوجته أو الآخرين؟

صبرت وأكملت ووجدتُ في الفصل نفسه أن: كل امرأة طروقة بعلها وكل ناقة طروقة فحلها، أي أنثاه. لن أسأل كيف تُستعمل الكلمة الواحدة لامرأة ولناقة، ولكن أسأل... أو الأفضل أن أسكت.

وهكذا كان وأكملت القراءة حتى الصفحة 392 قرب نهاية الكتاب، ووجدتُ بيت شعر أحفظه من أيام المراهقة هو:

إن الثمانين وبلغتها/ قد أحوجت سمْعي إلى تُرجُمان

كنا سمعناهُ كمثل على الجملة المعترضة وهي «وبلغتها». وسألتُ الأستاذ كليم قربان عن صاحب البيت فلم يعرفه، ووجدتُ في «فقه اللغة» أنه الشاعر عوف بن محكّم الذي لم أكن سمعتُ باسمه من قبل. وهكذا فقد جاءني الجواب على سؤالي بعد 50 سنة، أما أسئلتي عن أسباب شقائنا فلا ردود عليها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللاجئون السوريون في لبنان مأساة لا حل لها اللاجئون السوريون في لبنان مأساة لا حل لها



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:13 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:28 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية يؤكد أن الوضع الأمني في تونس مستقر

GMT 04:41 2013 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

"الحر" أصبح جاهزًا لضرب الجيش السوري بسلاح الجو

GMT 00:54 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

زهور جديدة تتفتح دومًا من "فان كليف آند آربلز"

GMT 13:03 2018 الجمعة ,17 آب / أغسطس

أم تقتل ابنتها بـ"إيد الهون" في "البحيرة"

GMT 11:30 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

تعرف علي قائمة موضة ألوان أزياء شتاء 2019
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia