لست من هذه الأمة

لست من هذه الأمة

لست من هذه الأمة

 تونس اليوم -

لست من هذه الأمة

جهاد الخازن

قررت أن أطلّق الأمة العربية طلاقاً بائناً لا عودة عنه. لن أكون من أمة تقتل أبناءها، تدمر مستقبلها، تنفذ ما يريد أعداؤها، ثم تتهم الآخرين ودم الأبرياء على يديها.

كانت لي طموحات وحدوية صغيراً كبيراً، من دون أن أنتمي يوماً الى حزب سياسي أو جمعية. وحدوي من منازلهم كأكثر أبناء جيلي. وانتقلت من بهجة الأمل الى خيبة الأمل، من دون أن أمر بمرحلة وسيطة تحقق شيئاً يسيراً مما تمنيت لهذه الأمة.

كنت عربياً بالولادة، زواجي جاء من طريق أسرتي العربية، وفرحت به. الطلاق قراري وحدي، ولن أتزوج أمّة أخرى أو أدّعي إنتماء آخر، حتى وأنا أحمل الجنسية البريطانية وجنسية من بيليز في أميركا الوسطى لم أستعملها يوماً. أنا الآن عربي مع وقف التنفيذ.

لست من أمة يُقتل فيها المصلون في مسجد، والسياح في متحف، وتهدم الآثار، وتسبى فتيات صغيرات، ويهاجَم الأبرياء في برجين للأعمال في بلد، وفي «مول» تجاري في بلد آخر، وفي جزيرة سياحية في بلد ثالث.

أستطيع أن أكتب تاريخاً عربياً آخر، تاريخ جريمة من قتل ثلاثة خلفاء راشدين الى تعاون أمراء المناطق في الأندلس مع ملوك اسبانيا ضد أحدهم الآخر، الى تسليم البلاد للمستعمر من مشرقها الى مغربها. إلا أنني كنت شاباً يطوي الجناح على آمال كبار، واكتفيت من التاريخ بما أنجز العرب من ترجمة الفلسفة اليونانية والزيادة عليها، من تقدم في علوم الفلك والطب والكيمياء والجبر وغيرها. نحن اخترعنا الصفر، وجعلنا أوروبا تنتقل من عصور الظلام الى النهضة ونمنا نوم أهل الكهف.

ليتنا بقينا نائمين. عندما استيقظنا شهدت بلادنا عصر نهضة ويقظة قصيراً، ثم رأينا رئيساً (مافيوزو) يغزو بلداً عربياً مجاوراً، ورئيساً نصف أمي يحكم بلداً 42 سنة ويدمره. ورئيساً يختار «الحل الأمني» شهراً بعد شهر بعد 60 شهراً، وجماعة متطرفة تدمر بلداً عامراً في سنة واحدة، وعصابات سلحها بلد أجنبي تقلب الحكم وتقتل الناس من شمال البلاد الى جنوبها.

هناك ما هو أسوأ من الأمثلة السابقة. نعم هناك ففي كلٍّ من هذه البلدان أصبح المواطنون يترحمون على الحاكم الظالم بعد أن ذاقوا الإرهاب التالي. أكتب وقد توفي لي كوان يو، مؤسس دولة سنغافورة، أو المستبد العادل الذي طلبناه وحصلنا على نصف الطلب: المستبد.

أسجل هنا على نفسي أنني أؤيد قيام دولة كردية في مناطق الأكراد من تركيا وسورية والعراق وإيران. هم وحدهم قاوموا الإرهاب والإرهابيين وحموا أنفسهم، وأثبتوا أنهم أكثر استعداداً للحكم وأعبائه من عرب فتحوا الأبواب لعصابات إرهابية تقتل المسلمين والمستأمنين.

هل نحن أمام واحد من أشراط الساعة؟ ليس عندي جواب فأنا لا أعرف إلا ما رأيت على امتداد عقود من وعيي السياسي، وما أتابع اليوم. مع ذلك أقول إنني لن أستغرب أن يطلع من بيننا «الأعور الدجّال» غداً.

لا بد أن لي نصيباً خاصاً من الفشل العام. خذلت الأمة مع الذين خذلوها. خذلت أسرتي وأنا أعتقد أن أبنائي سيكون لهم عالم أفضل ومستقبل واعد وحرية وأمن وأمان وديموقراطية، ثم أراهم يقيمون في الغرب ويحملون جنسيات غربية، فلم يبقوا شرقيين ولم يصبحوا غربيين. كم مثلهم من جيلهم، يشبه الواحد منهم ذلك الغراب الذي لم يتعلم مشية الحَجَل ونسي مشيته.

مع ذلك اليوم لا أشكو قدري وإنما أشكو الأمة، وأعرف أن الشكوى ستقع على آذان صمّاء وقلوب من حجر وضمير الغائب الذي سمعنا عنه في المدرسة صغاراً.

لم أعد أريد البقاء في هذه الأمة. لن أضع نفسي مع غالبية خاطئة مخطئة. أرفض أن أكون متهماً على الهوية. أنت عربي. أنت فاشل جاهل قاتل. قضيت العمر أطلب السلام لنفسي وللآخرين، غير أنني أستسلم اليوم لقدري.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لست من هذه الأمة لست من هذه الأمة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:13 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:28 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية يؤكد أن الوضع الأمني في تونس مستقر

GMT 04:41 2013 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

"الحر" أصبح جاهزًا لضرب الجيش السوري بسلاح الجو

GMT 00:54 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

زهور جديدة تتفتح دومًا من "فان كليف آند آربلز"

GMT 13:03 2018 الجمعة ,17 آب / أغسطس

أم تقتل ابنتها بـ"إيد الهون" في "البحيرة"

GMT 11:30 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

تعرف علي قائمة موضة ألوان أزياء شتاء 2019
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia