عبد الباري عطوان
عندما تُعلن وزارة التجارة الصينيّة على لسان النّاطق الرسمي باسمها “أنّ الصين ستَبذُل جُهودًا لحِماية الاتّفاق النووي الإيراني، وتُدافع عن مصالحها المشروعة في إيران” في وقتٍ تتحدّث فيه وكالات أنباء عالميّة مِثل “رويترز” عن نقل إيران كميّات قياسيّة من نفطها إلى الصين في الأشهر القليلة الماضية، فإنّ هذا الموقف قد يُفسّر التشدّد الحالي في الموقف الإيراني تُجاه هذا الاتّفاق الذي عبّر عنه بكُل وضوح السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى عندما قال “الرّفع الكامل لجميع العُقوبات الأمريكيّة شَرطٌ أساسيّ للعودة إلى الاتّفاق”.
التّحالف الرّباعي الصيني الروسي الإيراني الكوري الشمالي الجديد، والمفتوح لضمّ دول أُخرى، بدأ يتبلور عمليًّا، ويُشكّل نواة لحلف “وارسو” جديد قوي مدعوم اقتصاديًّا وعسكريًّا، ليَقِف بصَلابةٍ في مُواجهة حلف النّاتو “الهَرِم”، وبما يُؤسّس لفصلٍ جديد في مراكز القِوى عالميًّا.
**
هذا التحوّل الاستراتيجي المُهم هو الذي جعل الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن يَفقِد أعصابه، ويَخرُج عن كُل الأعراف الدبلوماسيّة عندما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”القاتل”، وهدّده بدفعِ ثمنٍ باهظ من جرّاء تدخّل بلاده في الانتِخابات الأمريكيّة.
وما ضاعف من هذا الغضب والارتِباك إقدام كوريا الشماليّة على إطلاق صاروخين باليستيّين جديدين ومُتطوّرين، قُرب المِياه الإقليميّة اليابانيّة، لإيصال رسالة إلى الرئيس بايدن بأنّها لا تتمسّك ببرنامجها الصّاروخي الذي يُريد تحييده، وإنّما تُريد تطويره أيضًا في تَحَدٍّ سافرٍ لإدارته، خاصّةً أنّ هذا التحدّي تزامن مع انطِلاق مسيرة الشّعلة الأولمبيّة التي ستستضيفها العاصمة اليابانيّة بعد أربعة أشهر.
مسؤول أمريكي كبير، يُعتَقد أنّه أنطونيو بلينكن، وزير الخارجيّة، كتب مقالًا باسمٍ مُستعار لدَوريّة “كونغر تليغرام” التي يُصدرها مركز “أتلانتك كاونسل” الأمريكي، وقبلت للمرّة الأولى في تاريخها شرطه هذا بإخفاء اسمه لخُص الاستراتيجيّة الأمريكيُة في السّنوات الأربع المُقبلة بقوله “التّحالف الروسي الصيني خَطٌّ أحمر، وستمنع الولايات المتحدة قيامه مهما كان الثّمن”.
الاتّحاد الأوروبي الذي بات يَشعُر بخطر التّحالف الجديد، وقف في الخندق الأمريكي دون تردّد، وبدأ في فرض عُقوبات اقتصاديّة ودبلوماسيّة على الصّين في الأيّام القليلة الماضية، مثلما بدأ أيضًا حملةً إعلاميّةً مُشتَركةً مع الولايات المتحدة ضدّ انتِهاكات بكين لحُقوق الإنسان خاصّةً ضدّ “الإيغور” المُسلمين في غرب الصين.
لا نعتقد أنّ استِخدام “الإيغور” المُسلمين والاضّطهاد الذي يتعرّضون له، سيكون ورقةً رابحةً ومُؤثّرة في يد الولايات المتحدة وحُلفائها الأوروبيين، لعدّة أسباب، أنّ مُعظم الدّول الإسلاميّة الكُبرى مِثل باكستان وإيران وتركيا تَقِف في الخندق الصيني، ولم تَكتَفِ الأخيرة، أيّ تركيا، بالصّمت على هذه “الانتِهاكات” في حقّ هؤلاء المُنحَدرين من أُصولٍ تركمانيّة، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما سلّمت بعض قِياداتهم ومُقاتليهم اللذين لجأوا إليها، وشارك بعضهم في الحرب في سورية، إلى الحُكومة الصينيّة، مُضافًا إلى ذلك أنّ الزّمن الذي كانت تُجيّش فيه أمريكا المُسلمين لخوض حُروبها ضدّ الروس تحت عُنوان مُكافحة الشيوعيّة، وبقِيادة السعوديّة قد ولّى إلى غير رَجعةٍ.
**
الولايات المتحدة التي قتلت أكثر من مِليونيّ عِراقي، وأشعلت فتيل الحُروب في سورية وليبيا، وقبلهما في فيتنام هي آخَر دولة يجب أن تتحدُث عن حُقوق الإنسان حسب الرّد الصّيني الرّسمي على هذه الاتّهامات.
ردّان قويّان جعَلا من روسيا تفوز بالضّربة القاضية في أولى جولات هذه الحرب الباردة المُتجدّدة مع غريمها القديم الولايات المتحدة، الأوّل جاء على لسان بوتين الذي ردّ على التّطاول الشّخصي للرئيس بايدن عليه، عندما قال “إنّ كُل إناء بما في ينضح” وتمنّى للرئيس الأمريكي “الهَرِم” بالصحّة الطيّبة، أمّا الثّاني فجاء على لسان سفيره “المسحوب” احتِجاجًا من واشنطن أناتولي أنطونوف عندما قال “نحن نعمل على الأرض وليس لدينا وقتًا للشّجار والمُناكَفة”.
يبدو، وفي ظِل هذه المُتغيّرات في قمّة مُعادلات القوّة في سقف العالم، وظُهور هذا التّحالف الرّباعي القويّ الذي يَضُم قوّتين عُظميين، قد حان الوقت للمُرشد الإيراني السيّد خامنئي “أن يَمُد رجله”.. واللُه أعلم.