مفكرة القرية بقرات السماء

مفكرة القرية: بقرات السماء

مفكرة القرية: بقرات السماء

 تونس اليوم -

مفكرة القرية بقرات السماء

سمير عطا الله
سمير عطا الله

ها هي آتية مرة أخرى، أصبحنا نعرف طقوسها ومقدماتها. الرتابة في جنون الطبيعة. فجأة تعِم سحب تعتم الضوء في البيوت. ويقرع رذاذ خفيف زجاج النوافذ. ثم يقوى. ثم يستقوي. ثم يلحّ. ثم يلج. ثم ينهمر. وبعد لحظات سوف تصل العاصفة نفسها، قادمة من كل الجهات، تصفر لها الريح في الصنوبر، وتبرق بها السماء وترعد، وتطمئن الجدّات الأحفاد الخائفين: إنها بقرة السماء تزبد طلباً لعشائها.
يختار الأطفال أن يصدقوا، لأن الخرافة أقل إخافة. ولن يعتادوا مفاجآت الشتاء الذي يقبع في الخارج عارياً ومجرداً من جمالات الأرض وألوان الربيع. ومهما رعدت بقراته فلن يطول. وهذا وعد قاطع من الجدّة التي تطرح برهانها أمامها على البساط الذي حاكته بأصابع يديها المباركتين. تعرف ذلك لأن النهارات بدأت تطول، والغياب يتأخر، متسكعاً في بلاد أخرى، قبل الغرق في هذا الأفق.
تعدُ الجدة بكل حلاوات الحياة. بالصحو بعد العاصفة. بالقمح المسلوق مع الجوز وماء الزهر. «بعيدية» نقدية ملوكية لكل من يحفظ دروسه، وآدابه، وشجاعته ضد بقرة السماء.
لكن السماء الآن لم تعد تتحمل ثقل سحُبها المتعبة بها. وصار المطر الهاطل يذكّر الأحفاد بالحكايات القديمة. الفيضان والطوفان ومطر لا يتوقف. ومن يدري فقد تعوي الذئاب الجائعة بعد قليل. أو ابن عرس، ذلك المشرد الأبدي الحزين، في الصيف والشتاء. وله في حكايات الجدّة ألف اسم. ودائماً بعطف. وأحياناً بإعجاب، وعندما يكون اسمه ثعلب.
أصبح الأحفاد يعرفون الأشياء جميعها، تقريباً. يعرفون الشتاء من عريه الكئيب، والربيع من بهجته، والصيف من كبريائه، والخريف من صراع الشجر مع الريح. وما أن ينتهي من تعرية أوراقها، حتى تغيب العصافير، ويغيب الصحو، وتستسلم الشمس للبرودة وصراع السُحب على مواقع الهبوط.
كل الأشياء تبدو بعيدة في عزلة الأبواب والشبابيك المغلقة. الوادي المقابل والتلال والحقول والصخور الرملية التي تربض مثل مخلوق صحراوي في فناء الصنوبر.
يتقلب الأحفاد في مخاوفهم من دون بوح. لكن الجدّة تمازحهم وتقترح عليهم حكاية لم يسمعوها بعد. لقد مر بها تسعون شتاء كمثل هذا الشتاء. تركت الريح تجن، والعاصفة تزبد، وبقرات السماء ترعد مثل دب غاضب. وظلت واقفة في النافذة تنتظر الربيع المغرد.
أما الأحفاد فغافلوها وانصرف كل منهم إلى «كومبيوتره» يبحث في «غوغل» عن صيرورة البرق والرعد وهبوب العواصف.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية بقرات السماء مفكرة القرية بقرات السماء



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 06:35 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر

GMT 10:36 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

البرازيلي بيليه يكشف أهم مزايا الفرنسي مبابي

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 17:59 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

ترامب يغادر مؤتمره الصحفي بشكل مفاجئ

GMT 13:04 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اصابة رئيس بلدية الزعفران بكورونا في الكاف

GMT 17:18 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

الفنان أحمد العوضي يشارك متابعيه بصورة جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia