كتاب الشارقة «الأم» أسوأ أعماله

كتاب الشارقة: «الأم» أسوأ أعماله

كتاب الشارقة: «الأم» أسوأ أعماله

 تونس اليوم -

كتاب الشارقة «الأم» أسوأ أعماله

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

في شبابنا قرأ أكثرنا الأدب الروسي بعناوينه المعروفة. كانت المرحلة الغالبة آنذاك مرحلة اليسار والاشتراكية، وذهب فريق من المتشددين القادمين من خلفيات متواضعة أو مسحوقة إلى الشيوعية نفسها والمنظم لها، أي الحزب. وهؤلاء كانوا فريقين: باسم يعتبر أن الأرض تتسع لجميع الشعوب والأمم، وآخر عابس متجهم مكفهر غاضب لا يريد أن يضيع دقيقة واحدة في رمي الرأسمالية في «مزبلة التاريخ».
الفريق هذا رأى أن الجهلة بالأدب الروسي يقرأون رواد ما قبل الشيوعية فقط، فعثر على ماكسيم غوركي وراح يفاخر به في الكتابات الحزبية والخطب الحزبية واجتماعات الحزبيين في الأمكنة السرية لتدارس وسائل إنقاذ الإنسانية. وكما لو أنهم في أمر حزبي واحد اختاروا من أعماله «الأم». وصرت تقرأ في الصحف والمجلات المتقشفة المظهر، خشفة الورق، كثيرة الحبر، الدراسات المطولة حول «الأم». وكانت النتيجة أن القراء الآخرين نفروا من غوركي واعتبروه مفوض الدعاية في الحزب.
فات حماسيو غوركي عندنا، في معركة التجهم والاكفهرار، أن غوركي نفسه أكد أن «الأم» أسوأ أعماله. خرجت من جناح «الأهلية» في معرض الشارقة بالجزء الأول من ثلاثية غوركي عن سيرته: «طفولتي». يا للروعة أيها الرفيق. يا للروعة. وكم أنك روسي مثل الأوائل. وفي تراثهم. وفي غنى الأسلوب الشاعري الذي يولد معهم. ولا يولدون في المستشفيات بل في غرفة واحدة حيث يموت الأب، ثم الأخت، ثم تتزوج الأم من رجل آخر، رجل فظ وقاسٍ ومحتال ومبذر ومتهور، ثم تلد منه، والأم ماذا تريدها أن تفعل؟ أن هذا الفظ هو أيضاً الرجل الذي يعيل سكان الغرفة.
سوف تعثر على بقية السيرة في مكان آخر. هنا، في معرض الشارقة، اختاروا من غوركي طفولته التي يبدأ سردها يوم مات أبوه: «كان والدي مستلقياً على الأرض، تحت نافذة غرفة صغيرة مظلمة تعج بالغبار، وقد بدا لي طويل القامة بشكل لافت، إذ لف برداء أبيض من رأسه إلى أخمص قدميه. وكانت والدتي، بتنورتها الحمراء، جاثية قربه تسرح شعره الطويل الناعم المنسدل على جنبه، بذلك المشط الأسود الذي اعتدت أن أقطع به قشر البطيخ. وإذ هي تسرح شعره كانت تحدث نفسها بصوت مبحوح وكلمات ناعمة وقد انتفخت عيناها الرماديتان وراحتا تذرفان دموعاً عميقة».
كيف يكتب الروس اليوم؟ هل هناك مكان لمثل هذه الدراما؟ ولكن أيضاً كيف يقرأون. هل لا يزال القارئ الروسي نفسه؟ المناخ نفسه؟ هل لا تزال قصة غوركي الذي غادر المنزل في التاسعة من العمر، تثير الأحاسيس نفسها في الروس الجدد؟ تعيدك معارض الكتب إلى معرض الذاكرة. رعشة الأدب لا تزول.
إلى اللقاء...

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب الشارقة «الأم» أسوأ أعماله كتاب الشارقة «الأم» أسوأ أعماله



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 06:35 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر

GMT 10:36 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

البرازيلي بيليه يكشف أهم مزايا الفرنسي مبابي

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 17:59 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

ترامب يغادر مؤتمره الصحفي بشكل مفاجئ

GMT 13:04 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اصابة رئيس بلدية الزعفران بكورونا في الكاف

GMT 17:18 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

الفنان أحمد العوضي يشارك متابعيه بصورة جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia