أسامة الرنتيسي
بعد اليوم لا تُقبل أي أعذار أو تبريرات أو كليشيهات الصحف المعتادة في تأخير الإصلاح الحقيقي، وغير ذلك “ضُحك على الذقون”. لا تنتظروا إقناع أو إطلاع الناس على ما حدث، ما حدث حدث، ومن لا يُرِد أن يقتنع لن يقتنع، ومن لم تُعجِبْه الرواية الرسمية من اللحظة الأولى لن تُعجبه الآن، ومهما كانت التفاصيل المنتظرة في الأيام المقبلة، وحيثيات التحقيقات فلن تُغيّر شيئا من قناعات الناس.
ليكن بعد “وأد الفتنة” و”إفشال الانقلاب” وسلبيات الأداء في تسريب التسجيلات، وقسوة اللغة في البيان الرسمي والمؤتمر الصحافي، والرسالة المَلِكِيَّة الحاسمة والحنونة، مرحلة جديدة في غسل ما علق في الأيام الماضية في عقول الأردنيين، وما ضغط على أعصابهم.
هذا الأمر يتطلب شروعا حقيقيا في الإصلاح الشامل الذي تأخر كثيرا، بعيدا عن قصص الحوار في مجلس النواب، ولنعترف أن في السنوات الأخيرة تم تدمير الحالة البرلمانية حتى أصبحت حملا على الدولة لا سندا لها. وتراجعت النقابات وسمعتها الوطنية حتى أصبحت بلا جدوى، والأحزاب بلا حضور ولا حتى شكلًا في الديكور، وفقد الإعلام عموما أي مبرر لرسالته بعد أن أصبح صامتًا في وقت الحاجة للحديث.
الجميع؛ مقتنعون أن الإصلاح الشامل يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وحقيقية أما غير ذلك فسنبقى ندور في فلك الأزمات ذاتها.
أولويات ملف الإصلاح السياسي في المرحلة المقبلة، محدد بعناوين رئيسة أبرزها قانون الأحزاب ومحاولة تلافي بعض النقاط التشريعية التي تعوق العمل الحزبي، وقانون الانتخاب المنتظر، والحريات العامة، ومحاربة حقيقية للفساد.
قضايا الإصلاح السياسي في الأردن لم تغب يوما عن كتاب تكليف سامٍ، ولم تغب أيضا عن برامج أية حكومة أردنية، لكنّ مسار الإصلاح السياسي في الأردن دائما يتأرجح بين «خطوة للأمام وخطوتين للخلف».
الأردن في حالة تمكنه من النجاح في إنجاز إصلاح سياسي بصورة متوازنة، فهو يتمتع بأوضاع جيدة من الاستقرار الأمني والوحدة الوطنية والعقلانية والنضج السياسي، ويتوفر لديه الكثير من التجارب والمؤسسات والبيئات اللازمة لنجاح الإصلاح السياسي.
لكن برغم ما بُذل من جهود في السنوات الأخيرة للسير قُدما بالإصلاح السياسي إلا أن نتائج التفاعل بين توزيعات وهياكل وآليات وقوى الحكم والتأثير في الأردن مع مجمل التطورات المحلية والإقليمية والعالمية الكثيرة، ومع إرادات القوى الشعبية.. لم تثمر حتى اليوم أية نقلة نوعية في هذا الاتجاه.
في ضوء معاني الإصلاح، وحتى نكون موضوعيين؛ هل نستطيع أن نقول إن لدينا إصلاحا سياسيا في الأردن، أم أننا مازلنا نتلمس طريقنا نحوه؟ يمكن القول إننا بدأنا خطوات أولية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وسرعان ما توقفت، ثم تراجعت مسيرتنا في مختلف المجالات: الحريات العامة، الممارسة الديمقراطية، الصحافة والإعلام، العلاقة مع الأحزاب والمؤسسات الأهلية ودورها، الاقتصاد والإدارة العامة وفعاليتها، وفي الوحدة الوطنية وقيم المجتمع، وفي مستوى المعيشة، وفي علاقاتنا العربية.
بوضوح أكثر، وخلافا لما يعتقده بعضهم، فإن تحديات الأردن المستقبلية المؤثرة في جهود الإصلاح الديمقراطي، أو بلغة أبسط وأدق، معوقات عملية الإصلاح الديمقراطي في الأردن هي في الأساس تحديات ومعوقات داخلية، تنبع من داخل المجتمع الأردني وتركيبته الديمغرافية، أما العوامل الخارجية، بما فيها البعدان الإقليمي والدُّولي، فأثرها ثانوي موازنة بالعوامل الداخلية.
خط النار الذي يلف البلاد ينبغي ان لا يؤخر عجلة الإصلاح السياسي، لأنه طالما كانت الأجواء متناغمة بين الدولة والطموحات الشعبية، كانت المناعة أقوى لمواجهة أي تهديد خارجي.
الدايم الله……