بقلم : مكرم محمد أحمد
تصاعدت الأزمة بين تركيا وقبرص فى مياه المتوسط مع إعلان تركيا عزمها على بدء عمليات التنقيب فى المياه الإقليمية القبرصية، وسط معارضة قوية من دول الاتحاد الأوروبى ومصر، الذين يعتبرون الخطوة التركية محاولة لسرقة كنوز البحر الأبيض، ورغم مشكلات الرئيس التركى أردوغان العديدة ومشكلاته الداخلية المتفاقمة يؤكد أردوغان أن بلاده ستواصل عمليات التنقيب فى الجوار القبرصى تأكيداً لحقها فى الملكية، فى حين أن المنطقة الشمالية من جزيرة قبرص تخضع لاحتلال تركى منذ عام 1974، لا يحظى باعتراف أى دولة سوى تركيا التى ترفض الاعتراف باتفاقيات تعيين الحدود البحرية بين الحكومة القبرصية والدول المجاورة فى البحر المتوسط، وجدد الاتحاد الأوروبى تحفظاته على موقف تركيا من التنقيب قبالة قبرص لأنه يزعزع استقرار الشرق الأوسط، كما سبق وأن حذرت الخارجية المصرية تركيا من أى إجراء أحادى الجانب يتعلق بأنشطة الحفر فى منطقة غرب قبرص التى يخضع معظمها لعقود مع شركات غاز وبترول عملاقة مثل الإيطالية إينى والفرنسية توتال والأمريكية إكسون، وقعتها حكومة قبرص مع هذه الشركات، خاصة أن تركيا تجاوزت هذه المرة مستوى الادعاء إلى إجراءات محددة تظهر خططها لاستغلال موارد الغاز الطبيعى شرق المتوسط، التى تعتبر ملكاً لجزيرة قبرص!. وثمة مخاوف حقيقية من أن يلجأ الرئيس التركى إلى عمل عسكرى يفاقم الأزمة رغم أزماته العديدة وصعوبة موقفه فى الداخل والخارج ومعارضة الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الصديقة، وأزمته المتصاعدة مع الولايات المتحدة التى تتوعد تركيا بتبعات سلبية للغاية إن استمرت أنقرة فى إصرارها على شراء صفقة منظومة الدفاع الجوى الروسية من طراز إس 400 بعد أن أمهلت الولايات المتحدة تركيا فترة لا تتجاوز أسبوعين كى تتخلى عن صفقة الصواريخ الروسية!، ومن المحتمل أن يشمل التحذير الأمريكى وقف شراء صفقة تركيا للمقاتلات الأمريكية إف 35، لكن تركيا تُصر على شراء صفقة الصواريخ الروسية إس 400، مُعتبرة أن هذه المنظومة ضرورية ومهمة لأمنها، كما أنها سوف تتسلم الدفعة الأولى منها فى يوليو المقبل، وما يزيد من صعوبة موقف الرئيس التركى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعيشها البلاد تزداد حدة نتيجة تراجع قيمة الليرة التركية فى الوقت الذى تتفاقم فيه أزمة أردوغان إزاء إعادة انتخابات بلدية إسطنبول التى فاز فيها مرشح حزب الشعب الجمهورى المعارض، وتواطأت اللجنة العليا للانتخابات مع الحزب الحاكم على إعادتها بعد فوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو وإعادة فرز أصوات الناخبين، وفضلاً عن ذلك يواجه أردوغان توقفاً شبه كامل فى حركة التشييد والبناء التى تعانى من ركود شديد وارتفاع مُذهل فى أسعار مواد البناء، يهدد بعزل بيرات البيرق صهر الرئيس أردوغان الذى يشغل منصب وزير المالية، خاصة أن أزمة الليرة لا تزال تلقى بظلالها على كل البلاد مع ارتفاع أسعار الغذاء التى تشهد تصاعداً كبيراً مع بداية شهر رمضان، ووصول قطار التضخم لأسعار الحلويات التى دأب الأتراك على التهادى بها، وتشهد الآن إرتفاعاً فى الأسعار يتراوح بين 40 و50 فى المائة، حيث بلغ سعر كيلو البقلاوة 90 ليرة ووفقاً لأرقام البنك المركزى التركى فإن معدلات التضخم فى الغذاء جاوزت 30 فى المائة فى أسوأ فترة يمر بها الاقتصاد التركى. ويفاقم من سوء الأوضاع فى تركيا نظام التعليم الإعدادى الذى يتبناه الحزب الحاكم وأدى إلى انضمام 67 ألف مدرس إلى جيش البطالة الذى يفوق تعداده الآن 4 ملايين مواطن، رغم أن التعديل الأخير فى نظام التعليم هو التعديل الخامس عشر الذى يجريه الرئيس أردوغان . وثمة مخاوف حقيقية من أن يجد الرئيس أردوغان نفسه محاصراً لهذه المشكلات الصعبة المتصاعدة، ويصبح المخرج الوحيد له هو الدخول فى عملية عسكرية مع قبرص لعلها تمكنه من توحيد البلاد، وإن كان الأرجح أن تؤدى العملية العسكرية إلى المزيد من عزل الرئيس التركى، وتكتل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وأغلب المجتمع الدولى فى مواجهة أردوغان فى ظروف تعانى فيها تركيا من ضعف واضح وتمزق شديد فى جبهتها الداخلية.