بقلم - عمرو الشوبكي
جريمة نيوزيلندا لافتة فى دلالتها، وهى تطرح أسئلة تتعلق بطريقة فهم بعضنا للعنف والإرهاب سواء الذى يأتى من عرب ومسلمين أو من غربيين مسيحيين.
ولعل أزمة التعامل مع الإرهاب ودوافعه تعود إلى تركيز مدرسة فى الشرق كما فى الغرب على وجود نصوص دينية أو عقائدية تحض على العنف، وكأن النصوص أو تفسيراتها تُطبق فى الواقع بمفردها دون وسيط بشرى وسياق اجتماعى وسياسى محيط يستدعى فى لحظة تاريخية تفسيرات بعينها ويستبعدها فى سياق آخر.
والحقيقة أن ما روّجه البعض حول مسؤولية النصوص الدينية عن الإرهاب وقع فى نفس خطايا كثيرين من الإسلاميين حين تعاملوا مع مشاريعهم السياسية باعتبارها مشاريع نصوص دينية «ربانية»، وأن مَن يختلف معها يختلف مع الدين ويكفر، لأنها أسقطت الوسيط البشرى الذى يطبق هذه النصوص الدينية من حساباتها، وبالتالى تجاهلت أن خطابها ينطبق عليه قانون النسبية والتحول وليس مقدسات ومطلقات الدين.
والسؤال الذى يُطرح: لماذا لم يفرز النص الدينى الموجود معنا منذ قرون تكفيريين فى العالمين العربى والإسلامى طوال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى مثلاً؟، فلم يكن هناك تنظيم القاعدة ولا داعش رغم أننا كنا بلاداً محتلة، وكان مَن يقود التحرر الوطنى فى بلادنا هو جماعات وطنية وليست تكفيرية، فى حين أن بلادنا بعد الاستقلال ظهرت فيها هذه الجماعات التكفيرية، فلماذا حدث ذلك؟، هل لأنه كان هناك أمل عرفته كثير من البلاد العربية حين كانت تناضل ضد الاستعمار، وشعرت أنها أنجزت حين حققت التحرر الوطنى والاستقلال، فلم تحتج للتطرف الدينى والتفسيرات المطلقة؟، هل ذلك نتيجة استبداد نظم ما بعد الاستقلال وفشلها؟، هل ذلك بسبب مؤامرات الخارج؟، ولماذا وجد الخارج تربة خصبة فى بلادنا لإنجاح مؤامراته فى هذه المرحلة تحديداً ولم يجدها فى مراحل سابقة؟.
النصوص لا تصنع عنفاً، إنما هى مثل المادة الخام أو مثل البنزين لن يشتعل إلا إذا أُلقى فيه عود ثقاب، وهذا هو السياق الاجتماعى والسياسى الذى صاغ التفسيرات الدينية وفق رؤية مَن قاموا به وتحيُّزاتهم. والحقيقة أن جريمة نيوزيلندا لم تخرج عن هذا السياق، فهناك إرث عقائدى دينى وسياسى غربى يحمل مواقف معادية للعرب والمسلمين، وهناك تاريخ دينى وثقافى ومعارك حربية وفكرية بين الغرب المسيحى والشرق المسلم لا تؤدى بشكل تلقائى إلى الحروب ولا المواجهة ولا الإرهاب، إنما لابد أن يكون هناك «العنصر المُشعِل»، وهو البحث عن أسباب من الواقع تبرر العنف والإرهاب مثلما فعل إرهابى نيوزيلندا، الذى نظر إلى ملايين المهاجرين العرب والمسلمين باعتبارهم غزاة أو إرهابيين، ولولا واقعهم السيئ الذى جعلهم يفرون من بلادهم بالملايين إلى الغرب لربما لم نشهد جريمة المسجدين.