جهاد النفس فريضة غائبة 22

جهاد النفس.. فريضة غائبة (2-2)

جهاد النفس.. فريضة غائبة (2-2)

 تونس اليوم -

جهاد النفس فريضة غائبة 22

عمار علي حسن

ويرفض الدين الزهو والعجب، فيقول الله فى محكم التنزيل: «إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ». فالغرور هو أكبر العوائق أمام الوصول إلى الكمال الإنسانى، ومن أعظم المهالك فى الحال والمآل. وفى هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات: شح مشاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». فالمرء الذى يغتر بعلمه يكتفى بما لديه، ويتوقف عن الاستزادة من المعرفة، ويسعى أن يكتسب من العلم سلطاناً غير سلطانه الحقيقى، وجاهاً غير ما يفرضه علم العالم على الناس من وقار واحترام. ولا يجب أن يغتر الإنسان بماله، فيسرف ويبذخ ويتعالى على الناس. ولا يغتر الإنسان بقوته فيظلم، ويخاطر فيهلك. ولا يغتر بحسبه ونسبه، فيتيه على الناس بما لا يتم به التيه والافتخار، فسبحانه وتعالى يقول: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». ولا يغتر الإنسان بعبادته فيحبط الله أعماله.
واعتبر الإسلام مداواة الغرور فرض عين، وحدد لذلك طريقين؛ الأول أن يعرف الإنسان نفسه: «مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ»، والثانى أن يعرف الإنسان ربه: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ». كما منع الإسلام أن يمدح الإنسان نفسه، وفى هذا آيات بينات واضحات مثل: «فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى» (النجم/ 32) و«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا»، (النساء/ 49). لكن فى المقابل ينهى الإسلام الإنسان عن ذم نفسه أمام الغير، ويمنع أن يفرط المرء فى الحديث على الملأ عن عيوب نفسه ونقائصها محاولاً إظهار التواضع، لأن فى هذا مدحاً وتزكية لها بطريقة غير مباشرة. وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم خبثت نفسى، ولكن ليقل لقست نفسى».
ويدعو الإسلام النفس الإنسانية إلى مقاومة الحسد، فهو نقيصة، تنطوى على حقد دفين، وتقوم على دافع سلبى للتغطية والتعمية على نقص الحاسد وضعفه، وعجزه عن بلوغ منزلة المحسود، فيكتفى بالتقليل مما لدى الغير من نعمة ومكانة، ويتقاعس عن الإتيان بأسباب الصلاح والقوة. فالحسد ما هو إلا غيظ كظم لعجز عن التشفى، وضعف عن أخذ الحق فى الحال، إما بالصفح والحلم، وإما بالقصاص، فرجع إلى العقل الباطن، فاحتقن واشتد فصار حقداً وحسداً. ولأجل هذا يقول الله فى محكم التنزيل: «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ» (الفلق/ 5)، ويقول الرسول الكريم: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».
وحارب الإسلام خوف النفس من غير الله، الذى يقول لعباده: «لا تخشوهم واخشونى»، ونهى عن الخوف من البشر، مهما علت مناصبهم وزادت قوتهم. كما دعا إلى الانتهاء عن الغضب، الذى يعلى عند انفجاره من «حيوانية» الإنسان، ويخرج الدين والعقل عن سياستهما، فلا يبقى للإنسان نظراً ولا فكراً ولا اختياراً. ولهذا قال الرسول لرجل طلب منه أن يوصيه ولا يكثر حتى لا ينسى: «لا تغضب». وقد سأل الرسول يوماً أصحابه: ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا الذى لا تصرعه الرجال. فقال: ولكنه الذى يملك نفسه عند الغضب».
لكن الإسلام حرص على ألا تفتقد النفس نخوتها، فتسقط فى التبلد واللامبالاة، وعمل على بناء النفس الواثقة الثابتة الصابرة المحبة لغيرها، والوفية لخلانها، القادرة على العطاء. وإذا ما بنيت النفس الإنسانية على هذه الفضائل المتوازنة هذه فستؤهل صاحبها لأن يكون سوياً وإيجابياً، بما يمكنه من أن يؤدى دوره باقتدار على جبهات المقاومة الأخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جهاد النفس فريضة غائبة 22 جهاد النفس فريضة غائبة 22



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:04 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 14:26 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الخميس29-10-2020

GMT 19:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

"كلير" تُوضّح حقيقة عرض فريق "ويليامز" للبيع

GMT 02:40 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مايا دياب وشقيقتها يتحولان إلى عجائز في "حكايتي مع الزمان"

GMT 13:13 2017 الإثنين ,25 أيلول / سبتمبر

استنفار أمنى في طرابلس لمنع "مظاهرات إقطيط"

GMT 00:59 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد سليم ينتهي من تسجيل آخر أغاني "إنسان مرفوض"
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia