العوام يختطفون السياسة 22

العوام يختطفون السياسة (2-2)

العوام يختطفون السياسة (2-2)

 تونس اليوم -

العوام يختطفون السياسة 22

عمار علي حسن

 وقد يقول البعض إن هذا حق للعوام كفلته نصوص الدساتير، وهذا صحيح، فإذا كنا ننشد الديمقراطية فإننا يجب أن نؤمن بأحقية أى مواطن فى أن يتحرك سياسياً، من داخل المؤسسات وخارجها، ليصل إلى أبعد منصب. ويزيد هؤلاء بأن فى الدول الغربية، يتقدم بعض من ليسوا من المتبحرين فى السياسة، معرفة وممارسة، إلى النواصى، ويستشهدون على ذلك بأن الرئيس الأمريكى جورج بوش، كان فى نظر الصحافة الأمريكية قبل 11 سبتمبر بدقيقة واحدة «رئيساً بالصدفة»، وأنه حين سئل أثناء مناظرة الرئاسة الأولى عن «طالبان» قال إنها فرقة موسيقى إسبانية.
لكن من يطرح هذا الرأى ينسى أو يتناسى الفارق الجوهرى بين «عوام المقدمة» فى الغرب ونظرائهم فى بلادنا. فهناك لا ينفرد الرئيس أو الوزير بصناعة القرار واتخاذه، بل يتوجب عليه أن يراجع مؤسسات وسيطة، استشارية أو مساعدة، تضم بالطبع «النخبة» المنتقاة من الخبراء والمبرزين فى الجهاز البيروقراطى، ويتغير هؤلاء الخبراء، الرسميين وغير الرسميين، حسب طبيعة المسألة المراد البت فيها، أو اتخاذ قرار بشأنها، ثم تأتى بعد ذلك المؤسسات التشريعية لتدلى بدلوها، فى نقاش حقيقى، بحيث يصبح القرار فى خاتمة المطاف حصيلة لرأى النخبة، لا سيما إن أضفنا المؤسسات الرقابية التى يراعيها القادة السياسيون فى تصرفاتهم وقراراتهم، الداخلية والخارجية، على حد سواء.
وما سبق لا يعنى المناداة بإغلاق الباب أمام العوام فى صناعة السياسة، فمثل هذا التوجه سينتج على الفور نظماً فاشية، إنما المقصود هو أن ينتهى دور الجمهور عند اختيار من يمثلونه فى البرلمان، ومن يقودون الدولة، عبر صناديق الانتخاب، فإن أخلت النخبة الحاكمة بشروط العقد الاجتماعى المبرم بين الناس والسلطة، كان للجمهور أن يطيح بهذه النخبة، ويأتى بنخبة بديلة، لا أن يصعد هو إلى سدة السلطة ويدير دفة الأمر.
إن كثيراً من المفكرين والكتاب يخافون من الجهر باعتقادهم الراسخ فى أن «التاريخ تصنعه النخب» خوفاً من اتهامهم بالفاشية أو النازية، مثلما اتهم الغربيون جوستاف لوبون بعد طباعة كتابه الأثير «سيكولوجية الجماهير»، لكن هذه المخاوف لا تغير من الحقيقة شيئاً. فعلى مستوى الواقع لا تصعد الجماهير إلى واجهة الأحداث إلا فى فترات قليلة متقطعة، ثم تعود إلى أماكنها بعد أن تكون قد أدت الدور الذى حددته لها النخب، ليبقى الفارق بين الدكتاتورية والديمقراطية هى أن الأولى عبارة عن نخبة منبتة الصلة بالجماهير، حتى إن أظهرت عكس ذلك من خلال خطاب مزيف حول الانحياز للبسطاء أو محدودى الدخل أو المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات، أما الثانية فعبارة عن نخبة تعى مصالح الجماهير، وتسعى إلى تحقيق آمالها وتلبية احتياجاتها، لأن مستقبل هذه النخبة معلق فى أعناق العوام، أو بمعنى أدق فى أصواتهم الانتخابية، حين تحين ساعات الحسم السلمى بواسطة الاقتراعات السرية، وما أكثرها.
اليوم، وبعد طول تغييب، استيقظت النخب العربية البديلة، قبل أن تنطلق ثورات وانتفاضات، فنشأت فى مصر «الحركة من أجل التغيير» التى رفعت شعار «لا للتجديد ولا للتوريث»، وفى سوريا خرج الحقوقيون من القمقم، وطالبوا بالتغيير، دون أن يخافوا من غياهب السجون. وجرت انتخابات محلية بالسعودية فتعبد، إلى حد ما، الطريق أمام نخب غير تلك المرتبطة بالسياسة الرسمية، ومع تكرار الانتخابات الأكثر نزاهة فى تاريخ العرب، برلمانية ورئاسية، ستعزز، مع توالى التجربة ومرور الأيام، درب التعددية السياسية. وهذه الحركة المستمرة النشطة تقود إلى إحياء النخب البديلة، التى تنادى بالديمقراطية طريقاً للحكم، ومن ثم تستعيد السياسة المخطوفة من العوام.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العوام يختطفون السياسة 22 العوام يختطفون السياسة 22



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 15:12 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 17:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 10:55 2019 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

الإصابة تحرم منتخب سورية من نجم الأهلي

GMT 03:18 2012 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوروبا تعود إلى السودان من باب النفط والذهب!

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia