هشام جعفر والمكان الغلط

هشام جعفر والمكان الغلط

هشام جعفر والمكان الغلط

 تونس اليوم -

هشام جعفر والمكان الغلط

بقلم : عمرو الشوبكي

قاربت مدة اعتقال الباحث والصحفى المدقق والمحترم هشام جعفر العام، بتهمة الانتماء لجماعة محظورة، وهو الرجل الذى مر على جماعة الإخوان المسلمين حين كان طالبا فى جامعة القاهرة، وغادرها منذ أكثر من 30 عاما، وأشهد مثل كل من عرفوه على رقيه الأخلاقى ووطنيته واحترامه لعمله، وهى كلها مسوغات تضر اليوم فى زمن البلطجة والشتائم وكراهية العلم.

عرفت هشام جعفر، منذ أن أسس مشروعة الكبير (موقع إسلام أون لاين) فى تسعينيات القرن الماضى، والذى كان نموذجا مهنيا ورصينا، انتقد خطاب الإخوان وتيارات الإسلام السياسى المتطرفة، واقترب من مواضيع المواطنة والإسلام الأوروبى والإصلاح السياسى والديمقراطى بلغة مختلفة عن تلك التى تبنتها الصحافة الحكومية والمواقع الإخوانية على السواء.

كان للراحل حسام تمام (أحد أهم الباحثين فى مجال الإسلام السياسى، صاحب الدراسة المهمة ترييف الإخوان) إسهامات مهمة على صفحات هذا الموقع الذى قدم للرأى العام مجموعة من ألمع شباب الصحفيين فى مصر.

وحين كان فى مصر نظام سياسى غير ديمقراطى ثار عليه الشعب سمح لهشام جعفر بعمل موقع بهذا الوزن والتأثير (كان منارة حقيقية داخل مصر وخارجها) بقليل من المضايقات والقيود، وأُغلق فى 2010 لأسباب لا علاقة لها بنظام مبارك إنما بتمويل الموقع، فى حين أن نفس الشخص الذى أسس نفس الموقع يقبع الآن خلف القضبان دون محاكمة فنصبح فى الحقيقة أمام مفارقة صادمة.

والحقيقة أن هشام جعفر لعب أدوارا فكرية وبحثية مهمة، عقب ثورة يناير، فهو صاحب فكرة الإنذار المبكر فى مناطق التوتر الطائفى مع سمير مرقص وسامح فوزى وحنا جريس وآخرين، وتعاون مع فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومشيخة الأزهر الشريف، وأيضا فضيلة الشيخ على جمعة لتقديم أفكار تفيد البلاد فى موضوع الفتنة الطائفية ومعالجتها بطريقة تحترم الواقع الاجتماعى المعيش، دون أن تستسلم لمثالبه، بل تسعى لتغييره من خلال نشر مفاهيم عصرية للدين فى أوساط النخبة والمجتمع.

وقدم هشام جعفر مع بدايات الألفية الثالثة كتابات وأبحاثا حملت رؤى نقدية عميقة لفكر جماعة الإخوان وتنظيمها، بعضها نشرناه منذ عشر سنوات فى مركز الأهرام فى كتابين شهيرين، حررهما كاتب هذه السطور، وهما «إسلاميون وديمقراطيون- إشكاليات بناء تيار إسلامى ديمقراطى»، والكتاب الثانى هو «أزمة الإخوان المسلمين» وفى كلاهما كانت مساهمة هشام الأكثر انضباطا ونقدية لفكر الجماعة.

ولأن الفكر لم يعد مطلوبا، فيكفى أن تقول إن الإخوان إرهابيون، ويتآمرون على الوطن لتتصور بذلك أنك تقضى عليهم، فى حين أن مواجهة الجماعة يجب أن تكون بمشروع فكرى وسياسى واجتماعى بديل قادر على حصارها بالسياسة والفكر قبل الأمن، وإلا ستبقى موجودة وربما ستنمو وتعود.

صحيح نحن فى عصر الضحالة الكاملة وقراءة عناوين المقالات لا المقالة، ولا سمح الله الكتاب، وفى عصر اقتطاع الكلمات من سياقها وتلفيق الأخبار وشن الحملات الرخيصة، وهى كلها قيم بعيدة عما تعلمه هشام جعفر، وتعلمه معه جيل كامل من مختلف الاتجاهات انزوى أو هُمش أو هاجر أو قبع خلف القضبان.

نعرف أن مصر لن تكون ديمقراطية وعادلة فى يوم وليلة، ولكنها يمكن أن تكون رشيدة وعاقلة ورحيمة، وهى كلها أمور تتراجع أمامنا كل يوم، وأى بلد يرغب فى أن يكون منجزا فى الداخل ومؤثرا فى الخارج هو الذى يسمح طوال الوقت بخروج مبادرات مستقلة فى كل المجالات تراعى الخطوط الحمراء للنظام السياسى (مازالت سرية إلا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب)، دون أن تكون صنيعة أجهزته الأمنية.

هشام جعفر ليس معاديا، ولا محرضا، وكان يمكن أن يكون وسطا بين أطراف صراع كثيرة فى مصر، فلماذا ندفعه بعيدا، ونتعامل معه بكل هذه القسوة؟ أتمنى أن يراجع من فى يده قرار الحبس اختياراته التى وضعت هشام جعفر فى المكان الغلط

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هشام جعفر والمكان الغلط هشام جعفر والمكان الغلط



GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

GMT 05:02 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

جولات السترات الصفراء

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:01 2021 الأربعاء ,28 إبريل / نيسان

عياض اللومي يعلن استقالتة نهائيأً من حزب قلب تونس

GMT 20:45 2017 الخميس ,19 كانون الثاني / يناير

نادي "النصر" يدرس عروضًا صينية للبرازيلي نيمار

GMT 04:25 2012 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

خيري رمضان يعود إلى"سي بي سي" الأربعاء

GMT 22:24 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

"مقدمة ابن خلدون"على قائمة أكثر الكتب مبيعاً
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia