بقلم : خلود الخطاطبة
"المتسللون"، "مثيرو الشغب"، "أعداء الجمهورية الإيرانية"، "العملاء" وآخرها "أعداء الثورة"، جميعها مصطلحات نحتها النظام الإيراني لوصف مجموعة من مواطني بلاده الشباب المحتجين على الأوضاع الاقتصادية والباحثين عن الحرية فقط، وهم في الحقيقة لا ينطبق عليهم أي من الأوصاف السابقة سوى أنهم "أعداء الثورة".
"أعداء الثورة" هي كلمة رديفة "للخونة" في عقلية النظام الإيراني، على أساس أن أهدف الثورة الإيرانية لا يمكن أن تصب إلا في مصلحة الشعب الإيراني، لكنها في الحقيقة ومنذ وصول ثورة آية الله الخميني إلى السلطة قبل نحو 38 عاما، فإن برنامجها لم يكن إيرانيا داخليا وإنما برنامج "تدخلي" في دول الجوار قائم على تحقيق مطامح بتصدير الثورة عبر التوسع في المنطقة العربية.
إلى جانب ثورة الجياع في طهران والمدن الإيرانية المختلفة فإن الاحتجاج الأبرز للمواطنين الإيرانيين يتمثل في انشغال حكومات بلادهم منذ وصول الثورة إلى السلطة، بإنفاق مقدرات وموارد البلاد على الحروب وأولها الحرب العراقية والإيرانية التي استنزفت موارد الدولة على مدى أعوام ثمانية، وكانت الحرب الأطول في القرن العشرين وخلفت مليون قتيل من الطرفين، إلى جانب تأثيراتها الاقتصادية السلبية.
"تصدير الثورة" كان السبب الأول في اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، والسبب الأول في وجود النفوذ الإيراني في العراق بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والسبب الأول في فرض النفوذ الإيراني على الأراضي اللبنانية والسورية واليمنية وخسارة إيران وشعبها جيرانه من العرب، وبالتالي خسارة كل مقدراته الاقتصادية التي وظفت لتصدير الثورة.
الشعب الإيراني ينتفض ضد الجوع وضد هدر موارد الدولة النفطية وفسادها وتوظيفها في تنفيذ سياسات ليس له بها أي مصلحة في المنطقة العربية مستقبلا، بل على العكس فإن تلك السياسات أدت إلى فرض مزيد من العزلة عليها في الإقليم والعالم خاصة في ظل السعي الإيراني لامتلاك أسلحة نووية وهو ما تسبب في فرض عقوبات اقتصادية لسنوات طويلة ضاعفت من معاناة الشعب المعيشية.
الاحتجاجات الواسعة في إيران مؤخرا والتي أدت إلى مقتل العشرات وإصابة المئات من "أعداء الثورة"، جاءت بعد نجاح الرئيس الإيراني حسن روحاني بولاية رئاسية ثانية كانت الأشهر الأولى منها كفيلة بتفنيد وعوده بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين الإيرانيين التي أطلقها إبان حملته الانتخابية، حتى وصل الأمر إلى انتقاد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي للرئيس روحاني بسبب عدم تحسن الأوضاع الاقتصادية للدولة.
الاحتجاجات الشعبية في إيران تفرض على النظام الإيراني مرشدا ورئيسا إعادة النظر في سياسة "تصدير الثورة" التي ثبث فشلها تماما، والالتفات إلى الشأن الإيراني الداخلي بعد أن طال الفقر ٢٠ مليون إنسان فيها حسب أرقام وإحصائيات غير رسمية، ولا يمكن تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن الإيراني دون وقف نزف الأموال نتيجة سياسات التدخل الإيرانية في دول الجوار.