تونس- تونس اليوم
تكتب نصها بدافع وجداني ونضج فكري بعد عمق التأمل وهي شاعرة متمردة على المألوف والمعتاد لذلك يسميها البعض الشاعرة الصعلوكة .كتبت قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر بالإضافة الى القصة القصيرة وهي مسكونة على الدوام بهاجس التجديد والاختلاف والتميز.حصلت هذه الأيام على الماجستير رغم عناء العمل في وزارة الشؤون الثقافية وعناء البيت وتربية الأطفال هذه لمحة عن الشاعرة أمامة الزاير في حديثها لـ«المغرب» وفي ما يلي بقية تفاصيل الحوار:
• بداية هل لك أن تعرّفي القارئ بأمامة الزاير الإنسانة والشاعرة؟
يبدو هذا السؤال محرجا دائما.. تحتاج الاجابة عنه أن أتخذ مسافة كبيرة مني كي لا أسقط في منعرجاته وفي حبائله.
قد أجيب ببساطة أنا بنت الوسط الغربي، التي درست اللغة والأداب العربية. أعمل في النادي الثقافي الطاهر الحداد، أمّ لطفلة هي ثمرة قصة حبّ عاصف. وقد أجيب بأسلوب التشكيكيين فقد اخترت أن أعمل في مجالات أخرى بعيدا عن تخصصي، مؤمنة « أن الطريق لا تكون حتى تكون بلا نهاية». لا تطيب لي الاستكانة إلى «قدر» أو إلى إجابة نهائية.. لا أخشى أن أخوض غمار المجهول والشاقّ. أؤمن أنّي ككلّ المحاربين فلا أطمئن إلى الراكد والباهت..
وقد أجيب بلكنة كائن أسطوريّ لا يكاد يتعرّف على وجهه في المرايا، يخفي بعضه أو كلّه غبارُ الطريق.
أعتقد في نهاية الأمر أنني دائما أخلص لي، ولا تغريني سوى المسالك الوعرة.
إنّها حقا مهّمة شاقّة أن تعبث بكلّ الطابوات وأن تتجرّأ على الخروج من الإطار وعلى اختيار الطرق الوعرة صعودا إلى جبلك الخاص من أجل نحت كيانك والإصغاء بشكل جيّد لما يحدث داخلك وخارجك.
ليس مهمّا أن يكون رفيق دربك «سانشو» الأحمق الذي يتعثّر خلف بغله، أو أن يصاحبك نيتشه الكاتب الساخر الذي هدّد ركون الفلسفة القديمة ونقض أركانها.
• كيف جئت إلى عالم الأدب؟
جئت إلى الشعر بشوق فراشة، وبقلب طفل لا يشيخ، وبعينيْ «صقر».
لم أخفض له جناح الذلّ، وإنما جئته بشغف محبّ يعي جيّدا مشاقّه وبشوق مغامر يدخل مختبرات تجريبه باذلا الغالي والنفيس كي يرى الضوء. هل احرقني لظى الشعر؟ قد يكون ذلك ما حدث.. لكنني حتما كنت أنهض من رمادي وأعيد الكرة آلاف المرات..
وكان لوالدي رحمه الله الفضل في هذا. حيث زرع حدائق في مكتبتي من الأدب العربي قديم هوحديثه(البحتري، المتنبي، الجاحظ.. السياب، نزار قباني، درويش...). وفتح عيني على الأدب العالمي (هوميروس،دوستويفسكي، ثربانتس...).
ولم يكن الطلاع على المدارس الأدبية وحده حافزا لأكتب، فقد كنت أعتقد أن الفنون واحدة. فلا يمكننا أن نتحدث عن الأدب منفصلا عن الموسيقى والمسرح والسينما والفن التشكيلي. فشربت كثيرا من كاسات هذه الفنون ولم أثمل.. وكان عطشي هائلا..
• ماذا يمكن أن نعرف عن اصداراتك؟
لي ثلاث مجموعات شعرية: «العالم حزمة خيالات»، «ممرات سرية»، وأخيرا نُشر لي «أحد عشر تمرينا من أجل القيامة» عن دار ميارة للنشر.
وساهمت في اصدارات جماعية مثل كتاب صدر سنة 2007 بعنوان «نحياها لنكتب» عن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وعن الجمعية التونسية للنساء حول التنمية والبحث، وكتابان تحت عنوان «حركة النص».
وقد جهدت في مجموعاتي الشعرية أن أطلّ في كلّ واحدة منها على مناطق مختلفة وأن أوجد مناخات مغايرة.
• عادة ما ينزلق كاتب النص الشعري إلى كتابة القصة أو الرواية، فلم بقيت وفيّة للشعر ولم تقتحمي عالم السرد؟
كانت نصوصي الأولى موزّعة بين الشعر والقصة القصيرة. ثم اخترت بعد سنوات أن أكتفي بالشعر، وإن كتبت المقال الصحفي وجرّبت تقريبا كل أشكال الكتابة. وعثرت عليّ في الشعر وعوالمه.
ودائما ما أغتاظ حين يسألني أحدهم أن أكتب رواية في زمن فرّ فيه كتاب الشعر إلى السرد إما طمعا في الجوائز المجزية وإما انغلاقا لأفق الشعر عندهم. وكان لغيظي سبب واحد، فقد كنت شاعرة في مجتمع بطريركيّ يتوهّم أنّ الشعر جنس ذكوريّ، فحل، قويّ.. فكيف لامرأة أن تتطاول عليه وأن تخوض مجالس الفحول وكيف لها أن تنافسهم في ما هو لهم. أماالرواية أو القصّ فهما عادة الجدّات، عادة النساء الحكي. فكأنما من يسألني أن أكتب رواية مثلُه كمثل من يقول لي ماذا تفعلين هنا؟ وكيف تسوّل لك نفسك أن تقترفيالشعر؟. في نهاية الأمر لا جنس للفنّ ولا لون ولا عرق.
• في الشعر تتعدد الأوجه والأساليب فمن الشعر العمودي إلى الشعر الحرّ إلى قصيدة النثر إلى قصيدة الومضة، فأين نعثر على النص الشعري لأمامة الزاير؟
إنّ كتابة الشعر لم تكن في عمقها محصورة في شكل ثابت، رغم ما كرّسته المؤسسة النقدية العربية من نمط محدد يقيّد الشعر بتفاعيل العروض بين بحور رصينة فخمة وأخرى لينة مستهجنة. وببلاغة محددة سلفا.. وكان كلّ خروج عن هذا النمط يمثّل مروقا ينجرّ عنه أن يُسحب من صاحبه انتماؤه لطبقة الشعراء.
وقد تجرّأت مدرسة الشعر الحر على هذين الشرطين (العروض والبلاغة) وأمعنت في ذلك قصيدة النثر التي تخلت نهائيا عن هذين القيدين، منسجمة مع ايقاعها الداخلي.
سأتحدث هنا عن جيلي الذي خاض أغلبه مغامرة كتابة الشعر عمودا وحرا ونثرا، ملتزما بقضايا راهنه الثقافي والسياسي..
وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا الجيل إلا امتدادا شرعيا لجماعة تحت السور وحركة الطليعة.. وكانوا أبناء شرعيين لأولاد أحمد، ومختار اللغماني، وآدم فتحي ومنصف الوهايبي.. وغيرهم ممن شقوا طريق النص الشاقة.
في النهاية أعتقد أنّ للشعر، بغضّ النظر عن شكله، بما يحدثه من زخم ايقاعي تحمله الكلمة في حد ذاتها من جرس موسيقيّ، شرف التجريب.. وله سبق أن يقول واقعه.. للشعر القدرة العظيمة أن يكون.
• في ما كتبته من شعر ماهي أبرز المسائل التي تناولتها؟
أعتقد أن كتابة الأغراض انتهت منذ زمن بعيد، وليس لها جدوى في يومنا هذا.
الكتابة هي أن «نحدّث بقناعتنا الخفيّة حتى تغدو كونية» (إيمرسن).
الكتابة أن نتجرّأ على جرّ ما يربض في العتمة.
الكتابة شك وبحث مضن، «قلب لكل القيم وإعلان حرب ضد كل الأفكار القديمة».
وهذا ما راهنت عليه في مجموعاتي، التي احتفتْ الأولى بتفاصيل العالم التي لا ننتبه إليها عادة ولا نعتقد في جدواها شعريا، وحفرتُ في الثانية في اللاوعي، وفيما لا نتجرّأ على قوله والمجاهرة به، أما الكتاب الثالث فاتجهت فيه إلى كتابة نصوص أطللت من خلالها على مدارات تيه المتصوفة ورعبهم.
وأعتقد أنّ كل نص في حد ذاته يخرج عمّا هو نمطي فيما يتعلق بموضوع واحد محدد سلفا، فهو ينطق في النهاية عن كل أثر لليوميّ وللفنيّ مجتمعين.
• أنت من مؤسسي حركة نص فما الغاية من تأسيس هذه الحركة؟ وهل حققت أهدافها؟
حركة نص هي الحلم الذي راودنا في آخر 2010، ولم أكن وحدي، كنا ثلة من مجانين الشعر ( نزار الحميدي، عبد الفتاح بن حمودة، خالد الهداجي..).
كنا نؤمن بالنصّ بغضّ النظر عن أشكاله المتنوعة. فتأسست الحركة واخترنا لها اسم « النص».. انتصارا للنص في حد ذاته، ولم نكن طبعا معزولين عن واقعنا سياسيا وثقافيا. كنا نؤمن أن النص الجيد وحده «يخدم القضايا النبيلة». كنا نؤمن بالمغامرة النصية بعيدا عن متاريس الناقد المهترئة وحدوده المرسومة سلفا. وليس لحركة النص من بداية أو نهاية.. فالنص بطبعه التحرك أبدا.. وليس من شيمه الركود والاستكانة. كان هدفنا جماليا معلنين التزامنا بقضايا الانسان وبهواجس شارعنا التونسي والعربي..
فكرنا كيف يمكننا من مواقعنا، أن نفعل في هذا الواقع، أن نتجرأ على سمومه، لم نصمت يوما.. ولسنا دمى خرساء. لذلك أعتقد أننا نقوم بواجبنا. قد يُسمّى تشويشا أو ما شاؤوا من مسميات بلا معنى. فنحن نعرف جيدا أنّ النظام اعتاد تسمية كل ما هو خارج عنه بالفوضى /التشويش/ الضوضاء،/ الفاسد طبعا في مقابل تُقاته وكل الصالحين الذين يحتمون بظله.
وقد كان لي شرف الفوضى والتشويش... لي شرف أن أكون حرة لا جارية في قافلة العبيد.
قد يهمك ايضا
كاتبان تونسيان في القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2021
المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات تعلن عن تنظيم أسبوع للمسرح التونسي