«طالبان» وأفغانستان وما وراء الخير والشر

«طالبان» وأفغانستان وما وراء الخير والشر!

«طالبان» وأفغانستان وما وراء الخير والشر!

 تونس اليوم -

«طالبان» وأفغانستان وما وراء الخير والشر

رضوان السيد
بقلم :رضوان السيد

ما أحسستُ عقلاً وقلباً - والقلبُ في القرآن الكريم عقلٌ أيضاً - بهول السخرية السوداء إلا عندما سمعتُ الرئيس الروسي يأخذ على «الغربيين» أنهم يريدون أن يفرضوا على الأفغان قيمهم المستورَدة! نعم، المستوردة! كنت أودُّ لو أستطيع سؤال الرئيس (وليس الملك) بوتين (الباقي في السلطة بروسيا مبدئياً حتى عام 2036) عن تصريحاته المتكررة خلال سنواتٍ عن عَظَمة السلاح الروسي الذي استخدمه عساكره في سوريا والذي بلغت أنواعه الجديدة ما يزيد على مائتي نوع كما قال. هل الموضوع هنا موضوع «القيم الأصيلة»، بينما يُظهر الغربيون (نفاقاً) في خوفهم على النساء والأطفال وحقوق الإنسان، وهي جميعاً حقوق وفضائل إنسانية عالمية؟! كان الرئيس بوتين يستطيع أن يقول لهم مثلاً إنكم منافقون ولو كنتم حريصين على القيم الإنسانية فعلاً لما غزوتم أفغانستان والعراق، ولما انسحبتم بهذه الطريقة بعد عشرين عاماً كان عندكم خلالها متسعٌ من الوقت للتفكير في حماية القيم التي نؤمن بها جميعاً. إن الأمر كما قال أبو العلاء المعري: هذا كلامٌ له خبيءٌ// معناه ليست لنا عقول. والخبيء أن هؤلاء المسلمين لا يؤمنون بهذه القيم السامية التي يقول بها الغربيون والتي تتعلق بإنسانية الإنسان وكرامته وحرياته. لقد لبس الرئيس بوتين، بل والفرنسيون والبريطانيون والألمان والأميركان لَبوس المستشرقين الذين يغزون ويستعمرون فينشرون الحضارة، وينسحبون أمام مقاومة البدائيين، فيعود الأمر كما كان في تلك البلاد التي لم تعرف السلام منذ الغزو الروسي عام 1979.
ما علينا! فمشكلات الغرب (ومنه روسيا) هي غير مشكلاتنا نحن المعنيين أو ينبغي أن نكونَ معنيين عرباً ومسلمين. لا يهم الغربيين من المأساة كلها الآن إلا قضية اللاجئين الذين تدفقوا من قبل ويتدفقون الآن بمئات الألوف بل بالملايين. وسيتسع صدر أهل الحضارة الغازية ربما لنصف مليون منهم، أما الكثرة الكاثرة منهم فتتحمله باكستان وإيران... وربما تركيا. وقد سبق للأشقاء الإنسانويين في إيران أن استخدموا شبان اللاجئين من أفغانستان وسوريا مرتزقة في غزواتهم لبلدان الأشقاء العرب، في حين استوعب إرهابيو «القاعدة» و«داعش» آلافاً منهم ربما صاروا متشددين ومتطرفين وقتَلة لأنه تعذر عليهم الوصول إلى أوروبا الحضارة!
هو مشهدٌ مأساوي هائلٌ ومتداخل، يصبح فيه القاتل ضحية والضحية قاتلاً، وخلال ذلك تلد النسوة البائسات أجيالاً جديدة لنفس المصير!
المشكلة ذات شقين؛ أولهما إنساني فلسفي إذا صح التعبير، وثانيهما واقعي وعملي، وإن كان يغرق في النتائج بدون العلل والأسباب. في الشق الأول يقع ذلك التقابل القديم بين الفضائل والقيم من جهة، والحق والاستحقاق من جهة ثانية. فضائل أفلاطون الأربع أو تزيد هل هي حقوقٌ (طبيعية) لكل البشر بمقتضى إنسانية الإنسان، ووحدة الإنسانية وجوداً ومصائر؟ هذا التناظر المساواتي ما حصل على الاعتراف الرسمي أخيراً إلا في ميثاق الأُمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالطبع ما أمكن إحقاق ذلك وإلا لما أمكن لتلك الحروب الهائلة ضد الضعفاء بشتى أشكالها أن تستمر، ولا أمكن للرئيس الروسي (ومعه الرئيس الأميركي السابق ترمب) الافتخار بعظمة السلاح وشدة فتكه. الجوهر واحد، لكن التبرير مختلف. الأميركي يتلبس اللبوس الأخلاقي الدفاعي والحرص على أمن بلاده، وعلى القيم الديمقراطية، بينما يريد الآخر عرض عضلات السلاح في الأسواق العالمية.
ومرة أُخرى: ما علينا، فمشكلاتهم غير مشكلاتنا لأن العالم رغم كل المنظمات والتنظيمات والإعلانات لم يصبح واحداً. فكل دُعاة السلام والعدالة يقولون بوحدة المصير الإنساني ليقنعوا الأقوياء والأغنياء بضرورات إيقاف الحروب، والاهتمام بصلاح البيئة، وحياة الإنسان وكرامته. لكن الأقوياء لا يأبهون لذلك ويتابعون منافساتهم وحروبهم. فالروس أيام النظام السوفياتي وبعده تدخلوا عسكرياً في أفغانستان وجورجيا وأوكرانيا وسوريا لأسباب استراتيجية، والأميركيون تدخلوا في أفغانستان بالواسطة ثم بالمباشر، وكذلك بالعراق، للأسباب ذاتها. وهذا إلى عشرات التدخلات من جانب القوى الكبرى خلال أقل من عقدين. وهكذا لا أثر للتساوي في الحق والاستحقاق في المجال العالمي؛ رغم أن المقولة صارت عالمية. العلاقات الدولية قامت على القوة ولا تزال!
ولنعد إلى أفغانستان. باكستان ساعدت الأميركيين في تدخلهم بالبلاد لمصارعة الروس في نهايات الحرب الباردة. ثم استجدت لها اهتماماتٌ ومصالح جعلتها تطمح إلى أن تبقى في البلاد المحاذية على الدوام. و«طالبان» من نتاجها.
الغربيون يعرضون على باكستان - كما عرضوا على تركيا من قبل – المساعدة المادية، ليعينوها على استقبال الموجة الجديدة من اللاجئين. لكن عبء اللجوء الذي تعودت عليه باكستان يهون أمام الخطر الآخر. ففي باكستان متشددون كثيرون، والبشتون في باكستان كثيرون أيضاً: فلماذا لا يطمحون إلى أن تكون لهم دولة (دينية) في باكستان بعد أفغانستان؟!... وماذا يهمنا نحن العرب حقاً من ذلك كله؟ لقد شاهدنا في الفضائيات المسؤولين الغربيين يأتون إلى الإمارات وقطر... وتركيا، للشكر على الإعانة في إجلاء الرعايا الغربيين والمتعاونين من مطار كابل. وهذا يعني أن لتلك الدول علاقات ليس بالغربيين فقط؛ بل وبالسادة الجدد في أفغانستان. وهذا يبعث على الأمل في أن يكون لنا نحن العرب شأن ودور في أمرين: الشأن الإنساني الذي يُظهر احتياجاتٍ هائلة، ولدى العرب إمكاناتٌ كبيرة في هذا المجال ظهرت في الأزمات المماثلة. ومخاوف الرئيس بوتين من القيم المستوردة من جانب الغربيين لا تنطبق علينا لحسن الحظ لأن الدين واحد، فلن نثير لدى الأفغان المحافظين حساسيات. ثم إن دولنا المتقدمة تستطيع الإسهام في عمليات «بناء الدولة» التي فشل فيها الأميركيون في العقود الأخيرة دائماً. وليست لدى الأفغان مشاعر متضاربة تجاهنا، شأن علاقتهم بباكستان... وإلى حدٍّ ما بتركيا؛ فنحن لا نساعد من أجل الاستقواء أو مد النفوذ.
وهناك هاجسٌ لا يفارقني منذ اتفاق الأميركان مع «طالبان» على الانسحاب وتسليم البلاد في شهر فبراير (شباط) الماضي. لا أظن أن شريحة معتبرة من الأفغان فرحت حقاً بالاستيلاء الطالباني. بينما أظهر فرحاً تمثيلياً ودعائياً كثيرون من الصحويين والمتشددين في العالمين العربي والإسلامي. يبدو حكم «طالبان» شبيهاً بالحكم في إيران؛ إلى أن يُثبتَ الطالبانيون أن إعلاناتهم وشعاراتهم السلمية والانفتاحية ذات مضامين عملية. وما أقصده أنه يكون علينا ونحن نتأمل تطورات الوضع بأفغانستان، التفكير ملياً وإعادة النظر في علائق الدين والدولة الوطنية، وطرائق إدارة الدين وسياساته، بالاحتضان المتبادل، وليس بالاستبعاد أو التجاهُل. لا علاقة علنية لشعارات «طالبان» بشعارات «القاعدة» و«داعش»، لكن قادتهم مشايخ أو ملالي، والاستهواء ممكن وكذلك العودة للعنف المتفلت إذا توافرت القدرات.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طالبان» وأفغانستان وما وراء الخير والشر «طالبان» وأفغانستان وما وراء الخير والشر



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 06:35 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر

GMT 00:12 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

طريقة الجبنة القريش

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 11:54 2021 الأربعاء ,22 أيلول / سبتمبر

حقل نفطي جديد يدخل حيز الإنتاج في قبلي التونسية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia