يوم دُكَّت المدينة دكّاً

يوم دُكَّت المدينة دكّاً

يوم دُكَّت المدينة دكّاً

 تونس اليوم -

يوم دُكَّت المدينة دكّاً

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

كنا في الطابق السادس من مبنى «النهار»، استوديو التلفزيون. انتهت مقابلة الزميلة موناليزا فريحة معي، وعادت إلى مكتبها في قاعة التحرير المحاذية. جمعتُ أوراقي، ووقفت للمغادرة. فجأة دوّى دويّ أحدث ما يشبه سحب الهواء من رئة المدينة.
كنتُ قد سمعت من الذين عاشوا الحرب في لبنان، أن الانفجارات المفرَّغة يلحقها انفجار ثانٍ بقوة الجحيم. وخطر لي تلك الثانية أن مبنى «النهار» هو الهدف، وأنني لا أملك الوقت للهروب، قعدت وجلست في مكاني، بحيث لا يتعذب جارفو الركام في لملمة الأشلاء. دبّ فيَّ حزن سريع على ما سوف أسببه من حزن لعائلتي.
الساعة السادسة وخمس دقائق، وقع صوت في حجم مليون صاعقة رعدية، أو مليونين. فلما وجدتني لا أزال حيّاً، تأملت الاستوديو حولي بحثاً عن الباب فلم أرَ سوى جدران متداعية. وبسرعة عادت موناليزا فريحة تبحث عني. ورفعت كومة من الخشب وخرجنا فلقينا عامل الهاتف جوزف أبي غانم أمامنا. قال لي: «يقولون إنه انفجار في (بيت الوسط) مقر الرئيس سعد الحريري».
«النهار» أو مقر سعد الحريري المُذهَب، الخوف واحد: لقد بدأت الحرب الأهلية التي يتحدث عنها اللبنانيون، خصوصاً المسؤولين، كما يتحدثون عن لائحة الطعام. نزلنا الدرج فوق الزجاج المحطم. ولم أكن أحس بأنني أسحب معي الدماء والنثرات الجارحة المذرية على مدى الأدوار الستة. وعندما وصلت إلى مدخل المبنى وجدت سيارتي التي قوّسها الانفجار، لكنني لم أجد السائق. في تلك اللحظة بدأت الصدمة تتحول إلى خوف: مسؤوليتي عن شاب عاد من سوريا للتو بعد الاحتفال بخطوبته.
كان الانفجار قد رمى به بعيداً، فأخذ يعدو كمن في كابوس لجوج. اتصلت به فقال إنه تدبر سيارة تنقله ويجب أن أتدبر أمري. كانت السيارات تتسارع في ساحة البرج مثل قفير نحل هارب. وحتى سيارات التاكسي، التي يتقاتل سائقوها عادة على راكب، أدبرت لا تتوقف لأحد.
في مثل هذا الانفلات الخائف والمجنون، عرفني شاب من طرابلس فتوقف لي، ثم أسرع كالصوت فوق الانفجار التالي. في هذه الأثناء كان ابني «يطرح النداء» عبر الوسائل طالباً المساعدة من أي مار في المنطقة. توقفت عند تقاطع طرقات أنتظر التاكسي الذي أرسله ابني إليّ. زجاج يملأ الأمكنة. وقال لي رجل يهرع نحو ملاذه في ذلك الاتجاه: «أخبروني أن سطوح الحي عندنا قد حلقت سطوحها حلقاً».
بدأت أدرك أن الصوت الجهنمي الذي سمعته قد زعزع بصوته المدينة. لم أعد أرى وأنا عائد إلى البيت سوى أناس يهرعون إلى بيوتهم. عندما وصلت إلى البيت وشاهدت التلفزيون، بدأت أدرك بعض ما حصل، ولماذا كان ابني وأمه لا يزالان يرتعدان. وفيما استمرت غيوم الانفجار في التصاعد بألوانها أطبق غيم أسود على صدر لبنان.
في مواجهة «الغموض وخطر الغموض»، انتشرت الرايات وانتعشت صناعة التحليل. البعض طلب منا أن نحمد الله لأن الانفجار وقع في اتجاه الشرق وإلّا لتناثرت المدينة برمّتها. ثم بدأنا نرى الضحايا والمشردين والبيوت المدمرة. فالأمهات الثكالى، فالأيتام، فالذين فقدوا، إلى جانب المأوى، الأقرباء والأصدقاء.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم دُكَّت المدينة دكّاً يوم دُكَّت المدينة دكّاً



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 13:52 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 29-10-2020

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 16:46 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

طريقة تحضير الكوردون بلو

GMT 08:56 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الفنان السوري الكبير صباح فخري

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 19:12 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 09:02 2016 السبت ,23 تموز / يوليو

معًا لدعم الشغل اليدوي

GMT 06:20 2017 الإثنين ,29 أيار / مايو

ترامب بين قمم الرياض وألغام المتضررين

GMT 07:39 2021 الأحد ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بين الرياض وبيروت
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia