«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

 تونس اليوم -

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

بقلم : عريب الرنتاوي

لا يمكن فهم تصريحات خالد مشعل المرحبة بالاجتياح التركي لعفرين، في سياق المجاملة التي يقدمها الضيف للمضيف، ولا بوصفها “ضريبة كلامية” يقدمها فصيل إسلامي ينظر لتركيا بوصفها زعيمة الأمة الإسلامية، ويضرع إلى الله بأن ينقلها من نصر إلى آخر (في سوريا وربما العراق بالطبع) ... المسألة أعمق من ذلك بكثير، وتعود في الأساس لضعف أو غياب المكون الوطني/القومي في خطاب هذه الحركات، لصالح الحضور الكثيف لمفهوم “الأمة”، الإسلامية بالطبع.

فطالما أن في تركيا حكماً تعتبره هذه الحركات ومن بينها حماس، إسلامياً، يناظره حكم “علماني” في سوريا، ذو سمة مذهبية “علوية” ... وطالما أن العراق يخضع لائتلاف حزبي حاكم، تتوزع مرجعياته بين النجف و”ولاية الفقيه”، فإن من الطبيعي أن تنحاز تيارات الإسلام السياسي السنيّة، إلى تركيا، حتى وهي تحتل عفرين وتهدد باجتياح سنجار.

مثل هذه العلاقة المختلة – جوهرياً – بين الديني والقومي في خطاب هذه الحركات، حكمت سلوكها بالكامل، طوال ما يقرب من المائة عام، فلم يكن لدى الحركة الإسلامية في فلسطين، هاجساً اسمه الهوية الوطنية، أو الكيانية الفلسطينية، ولم تجد صعوبة في التكيف مع الشتات الفلسطيني، فتتماهى مع معطيات ما بعد وحدة ضفتي الأردن، وتجد في إخوان مصر، مبتدأ الجملة الفلسطينية وخبرها، في حين ظلت الحركة الوطنية الفلسطينية تسعى جاهدة في استعادة الهوية والكيانية الفلسطينية إلى أن كان لها ما أرادت، وثمة محطات معروفة لهذه العملية الكفاحية، لا حاجة لاسترجاعها في هذه العجالة.

ويفسر هذا الاختلال في العلاقة بين “الديني” و”القومي/الوطني”، “هجرة” قيادات وكوادر إخوانية، من فلسطين الرازحة تحت نير الاحتلال وأنياب الاستيطان، للالتحاق بقوافل “الجهاد العالمي” ضد “الخطر الشيوعي” الزاحف على أفغانستان، فـ”الأمة” تأتي أولاً، أما الأوطان، وما تفيض به من هويات ووطنيات، فهي انقسامات وتقسيمات لجسد الأمة الواحدة، مكروه، إن لم نقل “بدعة” وكل بدعة “ضلالة” وكل ضلالة في النار.

وفي زمن الربيع العربي، كان يمكن ملاحظة كيف ضبطت حماس حركتها على إيقاع صعود وهبوط جماعة الإخوان المسلمين في الإقليم ... فما أن لاحت في الأفق فرصة الانفكاك عن “الحلف الشيعي – البعثي” في سوريا، حتى تموضعت الحركة في أحضان الجماعة المصرية، لتنتقل بعد ذلك إلى كنف المحور التركي – القطري، الراعي الإقليمي الرسمي لجماعة الإخوان في المنطقة في هذه المرحلة ... وقد دفعت الحركة، ودفع معها شعبها، خصوصاً في غزة، أبهظ الأثمان، جراء تغليب “الديني” على “الوطني/القومي”.

إن تداعيات هذا الاختلال الجوهري في خطاب الجماعات السنيّة، لا يجعل منها رؤوس جسور لتركيا في الإقليم، بل وقد يدفعها للاستنجاد بـ”الناتو” لحسم الحرب الدائرة في سوريا، كما فعل الشيخ القرضاوي ذات فتوى، طالما أن الطابع الرئيس للمعارضات هناك، هو “إسلامي – سنّي”، وليس في ذلك ما يدعو للاستغراب فقد سبق لهؤلاء أن قاتلوا الشيوعيين تحت رايات “الناتو” في أفغانستان، وتحالفوا معه ضد أنظمة قومية ويسارية عربية، زمن الحرب الباردة.

الشيء ذاته ينطبق على حركات الإسلام السياسي الشيعي، الفَرِحةِ بدورها برؤية رايات إيران ترفرف في سماء العراق وسوريا، إن لم يكن بصورة مباشرة، فعبر الرايات المذهبية للأحزاب والميليشيات المسلحة ... هنا، لا قيمة لمفاهيم السيادة و”الوطنية” و”الهوية القومية”، هنا الأولوية لمفهوم “الأمة” من منظور شيعي خالص ... وعندما تلوح في أفق بعض الفصائل الشيعية، إرهاصات عودة للمكون “الوطني أو القومي” كما في التجربة العراقية تحديداً، نرى كيف تنقض فصائل الإسلام السياسي والمسلحة الشيعية الأخرى، على هؤلاء، بوصفهم “مارقين” و”شيعة “سفارات” و”كمائن متقدمة” لواشنطن في المنطقة.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية «القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 11:28 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية يؤكد أن الوضع الأمني في تونس مستقر

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:03 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

لن يصلك شيء على طبق من فضة هذا الشهر

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 10:32 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أُنس جابر تنهي موسمها من أجل التعافي من الإصابة

GMT 20:35 2013 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

"قُبلة" في الطريق تُكلِف فتاة تونسية شهرين خلف القضبان

GMT 05:54 2015 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"الأهلي" يكسب مباراته الودية أمام "دبي" الإماراتي

GMT 00:43 2013 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

"آدم" سيارة شبابية جديدة من "أوبل"

GMT 18:25 2019 الخميس ,07 آذار/ مارس

ليلة مسرحية في اتحاد كتاب الإمارات

GMT 18:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 07:14 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

الشعراوي يخضع للفحص تمهيدًا للتوقيع لنادي "روما"

GMT 00:47 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

"الفيصلي" يكشف في بيان رسمي أسباب رحيل دوس أنغوس

GMT 20:09 2015 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

خالد عزب يفند أسس "معالم في الطريق" في ندوة

GMT 00:21 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

مروان حامد مخرج أول أفلام سلسلة "رجل المستحيل"
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia