هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي نبهان

هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي نبهان؟

هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي نبهان؟

 تونس اليوم -

هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي نبهان

بقلم : حسن البطل

عندما سيصدر كتابي الأول عن سيرتي، سيجد قارئي أنني كتبتُ عن دوما كما لم يكتب أحد في فلسطين. لكن ما كتبته في آخر أعمدتي: «سوريانا؛ الغوطتان» أحزن نسيبي الطرطوسي ـ السوري ـ الشيوعي ـ العلوي نبيه نبهان، زوج ابنة أختي نبيلة.

ردّ على مقالتي: «البلاغة ـ يا خال ـ لا تعفي من إنصاف الضحايا والتضامن معها» قال: «أحزنتني يا خال: الغوطة التي أمدّت ثورة 1936 بفلسطين، واستقبلت اللاجئين الفلسطينيين ببيوتها واحتضنتهم ـ كما حدثني شقيقك عبد الرحمن قبل رحيله، وكم تغنّى بالعلاقة بين الغوطة وفلسطين أنها تستحق الوفاء والتضامن معها بوجه الإبادة».

عقَّبَتْ كريمته مها بأن ما كتبته يختلف عمّا كتبتُ عن سورية في العام 2011 وبعده بقليل.

قلت: دمشق عاصمة سورية؛ ودوما عاصمة الغوطة (هناك دوما الفلسطينية ودوما اللبنانية.. أيضاً) ودوما التي كانت «عاصمة المشمش» كانت عاصمة العنب الدوماني. كان ذلك العنب أرخص أعناب سورية، وأشدها حلاوة، وصار أندرها وأغلاها بين الأعناب الأخرى (الأبيض، الزيتي، أصابيع زينب، الدربلي، الأسود.. إلخ) لماذا؟

كانت حقول العنب الدوماني تصل من آخر بيوتها الشرقية حتى سفوح سلسلة الجبال التدمرية، المتفرعة باتجاه شمال ـ شرق عن سلسلة جبال لبنان الشرقية. كبرت دوما من قرية إلى بلدة، فإلى مدينة، حتى عانقت بيوتها سفوح تلك الجبال.. راحت بساتين العنب الدوماني!

دوما، موطن طفولتي ويفاعتي تغيرت، وسورية تغيّرت. دوما كانت عروبية ووحدوية.. وناصرية، وأضحت إسلامية. الآن، ترفع علم سورية القديم ذي النجوم الحمر الثلاث، في مقابل علم سورية الحالي، ذي النجمتين الخضراوين؛ علم الوحدة.

دوما كانت عاصمة الغضب الشعبي في أيلول 1961 على الانفصال، وأنزل شعب دوما علم النجوم الحمر، من على سراي الحكومة، ورفع علم النجتمين الخضراوين، علم الوحدة، وأذكر أن علم سورية القديم جَرَحَ كَفّ يدي وأنا أُمزِّقه!  لمدة عشرة أيام، خضعت دوما لحظر التجول، بعد معركة بين الشعب وقوى الأمن، سقط فيها شهداء من الشعب، وقتلى من الجيش.

عاشت سورية ثلاث سنوات مضطربة من الانفصال حتى سيطرة «البعث» عام 1963، ثم اجتازت خضّة عنيفة من تمرُّد حماة 1981 وقمعها بالقوة الغاشمة.

كانت الصحف السورية تُباع بـ15 قرشاً، وهي ملأى بذمِّ الوحدة وعبد الناصر، لكن لمّا عادت صحيفة «الوحدة» إلى الصدور القصير كتب نبيه العظمة دفاعاً عن الوحدة وناصر.. وبيعت النسخة الواحدة بـ50 ليرة سورية آنذاك!

حتى العام 2011 خضعت سورية لحكم استبدادي، لكن مع قفزة تطوُّر في ميادين الاقتصاد، جعلت البلاد وحيدة البلاد العربية في توازن فروع الاقتصاد، والوحيدة التي تصدّر القمح؛ والوحيدة العربية الحرّة من الديون الخارجية. صارت «صنع في سورية» مثل صنع في أوروبا!

لم تبدأ محنة سورية الحالية عام 2011، بل عام 2005، عندما قمع بشار الأسد «ربيع دمشق» الذي أعقب تمرّد لبنان على الاحتلال السوري، واغتيال رئيس حكومتها رفيق الحريري. طرد الجيش السوري، وكسر شعب لبنان الجرّة احتفالاً بخروجه.

خلاف بقية دول «الربيع العربي»، بدأ «الربيع السوري» من الأرياف، لا من العواصم وساحاتها وشوارعها الرئيسة: «سلمية.. سلمية، إسلام ومسيحية؛ سنّية وعلوية»!

خلاف جناحي «البعث» في سورية والعراق، ودعم الجناح السوري لحرب «تحرير الكويت» من العراق، وصدامه مع الفلسطينيين في لبنان، أوجد هوّة بين شعب عروبي التربية، ونظام يصادر الشعارات القومية.

لمّا جمع وزير الدفاع آنذاك، مصطفى طلاس المثقفين وبرّر انضمام سورية لتحالف ضد العراق، قال أحدهم: «سأعود إلى بيتي وأغلق أبوابه عليّ»!

ردّاً على دور سورية في سقوط «تل الزعتر» أصدر المثقفون السوريون بياناً شاجباً، ومعظمهم من العلويين والإسماعيليين العروبيين التقدميين.

كتبتُ مراراً أنني ممنوع من زيارة سورية «إلى الأبد» وخلالها مات شقيقاي وشقيقتي وأمي، لكن بقيت ضد النظام ومع سورية ـ الدولة، وضد المعارضات ـ المتعارضة المسلّحة التي سيطرت على الغوطة.

هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي ـ السوري ـ العلوي ـ الشيوعي، المكنّى «أبو سعيد» وزوج ابنة أختي نبيلة، حيث نشرت لأولاده إسهاماتهم في الثورة الشعبية ضد النظام، أم أن ما يُرى عن قُرب صار غير ما يُرى عن بُعد؟ شاءت ابنة أختي أن تطلق على أوّل أنجالها الذكور اسم «سعيد» تيمُّناً بأخي الفدائي الراحل، وصار أنجالهما: سعيد، محمد، سها ضد النظام، وضد حصار الغوطة، ويحبّون دوما كما أُحبّها.

دوما لم تعد دوما، وسورية لن تعود سورية البعث والنظام، لكن المسألة الآن، هي مصير سورية الدولة التي تتناهشها قوى محلية وإقليمية ودولية، وتهدّد وحدتها، وانكفاء عروبة شعبها الأصيلة إلى ردّة قطرية.

مع الشعب السوري في محنته الأكبر والأخطر من محنة فلسطين، لأنها موجز محنة العالم العربي في تحوُّلاته؛ ومع الدولة السورية المهدّدة في كيانها، ولستُ مع الحزب أو النظام، أو رأس النظام. مع دوما العروبية وليس دوما الإسلامية.

.. مع حزن نبيه نسيبي السوري، وأرجو أن يفهم حزني الفلسطيني، أيضاً، وشيئاً من موقفي، كما وأفهم موقفه وأسبابه.

لم يعد في فسحة العمر أن أزور سورية ودوما.. وطرطوس، أيضاً.

المصدر : جريدة الأيام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي نبهان هل أحزنتُ نسيبي الطرطوسي نبهان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 14:23 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الخميس 29-10-2020

GMT 07:56 2014 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

انتخاب أبو زيد رئيسة لـ"الاشتراكي" في "النواب"

GMT 11:46 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بعض مناطق النجم العملاق المشتعل أكثر سخونة من مناطق أخرى

GMT 01:18 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

رفع "المصحف" في نبروه يُطيح بوكيلة مدرسة من منصبها

GMT 10:01 2021 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

"فيسبوك" توسع نطاق مكافحة المعلومات المضللة

GMT 01:20 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

"خريف البلد الكبير"رواية جديدة للإعلامي محمود الورواري
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia