المسؤوليّة الكبرى لعلمانيّي تونس

المسؤوليّة الكبرى لعلمانيّي تونس

المسؤوليّة الكبرى لعلمانيّي تونس

 تونس اليوم -

المسؤوليّة الكبرى لعلمانيّي تونس

حازم صاغية

نجحت الثورة التونسيّة حتّى الآن في أن تنجو بنفسها من ثلاثة احتمالات بالغة الرداءة: احتمال التفسّخ الأهليّ والمصادرة الإقليميّة ممّا عرفته الثورات السوريّة والليبيّة واليمنيّة، واحتمال الاعتذار المصريّ عن الثورة والرجوع المتقهقر بقيادة العسكر إلى ما قبلها، واحتمال المضيّ في الثورة راديكاليّاً ويعقوبيّاً، كائنة ما كانت الأكلاف وكائناً ما كان حجم المعترضين والمعارضين.

فالباجي قائد السبسي لن يكون، في أغلب الظنّ، عبدالفتّاح السيسي. لكنّ راشد الغنّوشي لن يكون بدوره فلاديمير لينين أو آية الله الخمينيّ، قانعاً لنفسه بأن يكون ألكسندر كيرنسكي أو شهبور بختيار.

وهذا الموقع يعني مبدئيّاً الاستمرار بالثورة، إنّما ببطء، والحفاظ على الدولة بعد تشذيبها من تمادي السلطة وأجهزتها.

والنجاة المثلثّة الأضلاع هذه تنبثق من تركيبة تونسيّة مزاجها معتدل في آخر المطاف، أسهم في اعتداله افتقار إلى بضعة عناصر وامتلاك لعناصر أخرى: أمّا الافتقار فإلى أدوات التفسّخ ممثّلةً بالطوائف المحتقنة، وإلى طموحات الجيش وهو صغير ومقصيّ تقليديّاً عن السياسة، وإلى المكابرة والعناد الإسلامويّين اللذين تعلّم حزب «النهضة» أن يتجنّبهما. وأمّا الامتلاك فمادّته تلك المقدّمات البورقيبيّة التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، في ما خصّ القوانين والمرأة والتعليم والطبقة الوسطى والإقبال على الثقافة الأوروبيّة.

لكنّ هذا الموقع حسّاس لأنّه تحديداً يتاخم الاحتمالات التي تجنّبها ونجا منها. فما سلف لا يلغي وجود التفتّت والولاءات الجهويّة في تونس، وكانت الانتخابات النيابيّة الأخيرة قد سجّلت تنافس 1300 قائمة حزبيّة وفرديّة على 217 مقعداً فحسب، فيما أتاح قانون الانتخاب النسبيّ تظهير هذا المعطى. وقد يكون من الأسباب الباعثة على التطرّف أنّ تحريك عجلة الاقتصاد قد يستدعي إجراءات تقشّف تطلبها الأطراف الدائنة أو المانحة. وهذا في الوضع الاقتصاديّ الراهن طلب صعب. ثمّ إنّ الجوار مع ليبيا، لا سيّما في ظلّ نزوح أعداد ليبيّة ضخمة إلى تونس، مصدر محتمل آخر لتوتّر الوضع التونسيّ. وإلى الخلفيّة التي تشكّلها ظاهرة الهجرة الجهاديّة الكثيفة للشبّان التونسيّين إلى سوريّة والعراق، يصعب التغافل عن حدّة الاستقطاب الإقليميّ الراهن. وتونس، كما نعلم، مشمولة به، مثلها مثل سواها من بلدان المنطقة.

وعناوين كهذه تلحّ على مسؤوليّة «نداء تونس»، الموصوفة بالعلمانيّة، بحيث تمضي بالبطء الذي درجت عليه حتّى الآن في عمليّة التحوّل، مهجوسةً بتوسيع مساحات التوافق مع معارضيها، لا سيّما منهم «النهضة»، وعازفةً عن توسيع مكاسب التفويض الشعبيّ الذي حظيت به.

وفي وسع المعجبين بالتجربة والثقافة السياسيّة الفرنسيّتين من قادة «النداء» أن يقلّدوا فرنسا في إدارتها لذاك الانتصاف المديد بين «شعب اليمين» و «شعب اليسار». فإذا أمكن ذلك، وكُتب للتقدّم البطيء والمتواضع أن يُقلع، ارتسم علمانيّو تونس بوصفهم أصحاب نموذج لم يقدّمه الإسلاميّون ولا قدّمه «العلمانيّون» في الجوار العربيّ.

وقد يقال، وهذا صحيح، إنّ عقد التسويات بين طرف زمنيّ، مصدر الشرعيّة عنده إرادة الشعب، وآخر دينيّ، مصدرها عنده إرادة الله، أصعب من عقدها بين طرفين زمنيّين. لكنْ ما العمل، وهذا هو الواقع، واقعنا؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسؤوليّة الكبرى لعلمانيّي تونس المسؤوليّة الكبرى لعلمانيّي تونس



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 14:23 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الخميس 29-10-2020

GMT 07:56 2014 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

انتخاب أبو زيد رئيسة لـ"الاشتراكي" في "النواب"

GMT 11:46 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بعض مناطق النجم العملاق المشتعل أكثر سخونة من مناطق أخرى
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia