لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ

لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ؟

لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ؟

 تونس اليوم -

لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ

حازم صاغيّة
يستند الحديث الرائج عن دور إقليميّ لإيران، مُقرّ به أميركيّاً ودوليّاً، وعن تحوّلها «شرطيّاً للخليج والشرق الأوسط»، إلى مرتكزات جدّيّة قدر ما يفتقر إلى مرتكزات أخرى. فنحن غالباً ما يفوتنا حجم التقاطع بين واشنطن وطهران، والذي يشمل تقاسم النفوذ في العراق وتأمين مستقبل أفغانستان والوقوف في وجه التطرّف السنّيّ. وحتّى في النقطة الإقليميّة الخلافيّة الأكبر، أي الموضوع الإسرائيليّ، فإنّ «النصر الإلهيّ» لأتباع إيران في 2006 ألغى الالتحام في مركز الالتحام الأبرز، فصارت الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة منذ القرار الدوليّ 1701 مثل الجبهة السوريّة – الإسرائيليّة منذ 1974. وأغلب الظنّ أنّ الولايات المتّحدة، فيما تنكفئ نسبيّاً عن المنطقة، يعوزها من يقوم بدور إقليميّ نشط وديناميكيّ أثبت الإيرانيّون أنّهم يملكون القوّة والبراعة المطلوبتين لأدائه، خصوصاً أنّ تولّي الإسرائيليّين له، وهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، قد يتسبّب بإحراجات وإرباكات تفوق مغانمه وإنجازاته. فوق هذا، ليس من الصعب استبيان عاطفة ثقافيّة، أميركيّة وأوروبيّة، يمينيّة ويساريّة، تستسيغ الفرس أكثر من العرب، والشيعة أكثر من السنّة، لأسباب عدّة تضرب في تواريخ الأنظمة والمعارضات، والأكثريّات والأقليّات، وقابليّات الحراك والديناميّة مقابل المحافظة والحرص على المألوف. أمّا في السوابق التاريخيّة فنعرف أنّ شاه إيران كان بالضبط صاحب دور كهذا، وهو ما يصحّ جزئيّاً في حافظ الأسد إبّان فترات التقاطع العريض بينه وبين الولايات المتّحدة. ولنا، هنا، أن نتوقّف خصوصاً عند أواسط السبعينات وإدخال جيشه للمرّة الأولى إلى لبنان، ثمّ عند أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، مع استكمال الاستيلاء على لبنان بعد الانكفاء الذي أجبره الاجتياح الإسرائيليّ عليه في 1982. حتّى جمال عبد الناصر نفسه عرف تجربة قصيرة مشابهة، ما بين 1959 و1962، تمخّض عنها، بين ما تمخّض، إرساء التسوية الشهابيّة في لبنان. بيد أنّ شاه إيران، الذي عُهد إليه بأمن الخليج، كان حليفاً لإسرائيل، كما كان متصالحاً، رغم توتّرات ومناكفات جانبيّة، مع الوضع الخليجيّ القائم بحيث أمكن، بسهولة نسبيّة، تجاوز الخلاف حول البحرين، فيما جرى احتواء الخلاف الآخر ومبعثه احتلاله الجزر الثلاث، فتمّ حصره في حدوده الموضعيّة. وفي الغضون هذه شارك الجيش الإيرانيّ في قمع ما عُرف بثورة ظفار في سلطنة عُمان إلى جانب تشكيلات من جيوش عربيّة أخرى. وبدوره، جاء دخول الأسد إلى لبنان في السبعينات ليحول دون سطوة منظّمة التحرير الفلسطينيّة، مع ما يعنيه ذلك من انزلاق محتمل نحو مواجهة مفتوحة مع إسرائيل. أمّا في المرّة الثانية فارتبط الأمر بالانضواء السوريّ في تحالف دوليّ عريض تقوده أميركا لإخراج صدّام حسين وجيشه من الكويت وحماية الخليج. حتّى عبد الناصر، ارتبط شهر عسله القصير مع واشنطن، ومعظمُه إبّان عهد جون كينيدي، بصراع ضارٍ كان يخوضه حينذاك ضدّ الشيوعيّة والاتّحاد السوفياتيّ ونظام عبد الكريم قاسم في العراق. وعلى رغم الضجيج الديماغوجيّ الهائل عن دولة الوحدة المصريّة – السوريّة وكونها «كمّاشة» حول إسرائيل، لم يحصل ما يعكّر الصفو على الجبهة الطويلة بين «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» والدولة العبريّة. يومها لم يتردّد أكرم الحوراني، نائب عبد الناصر الذي استقال مبكراً من نيابته له، في أن يتّهم رئيسه السابق بالتواطؤ مع تلّ أبيب والامتناع عن تحريك أيّ ساكن في مواجهتها، خصوصاً أنّه لم يستجب المناشدات بسحب القوّات الدوليّة التي وُضعت، إثر حرب 1956، عازلاً بينهما. وفي الحالات جميعاً، انتهى شهر العسل المصريّ – الأميركيّ مع تفاقم التدخّل العسكريّ في اليمن واتّساع رقعة المواجهة بين عبد الناصر والوضع القائم في شبه الجزيرة العربيّة. وقصارى القول إنّ هذه المهمّة التي يرشّح البعض إيران خامنئي لها، مشروطة بشروط ثلاثة متلازمة: الوقوف في الأساسيّات إلى جانب الولايات المتّحدة، وحماية أمن إسرائيل، إن لم يكن الذهاب أبعد من ذلك تقارباً معها، والتصالح مع أمن الخليج في تأويله السائد. وهذه من منظور إيران الخمينيّة، تجربةً وإيديولوجيّةً، شروط مهينة تجعل منها خادماً، أو شرطيّاً مشروطاً جدّاً لـ «الشيطان الأكبر».
arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 14:23 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الخميس 29-10-2020

GMT 07:56 2014 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

انتخاب أبو زيد رئيسة لـ"الاشتراكي" في "النواب"

GMT 11:46 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بعض مناطق النجم العملاق المشتعل أكثر سخونة من مناطق أخرى
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia