عودة الروح للبترول

عودة الروح للبترول

عودة الروح للبترول

 تونس اليوم -

عودة الروح للبترول

بقلم : عبد الرحمن الراشد

خمسون دولاًرا وبضعة سنتات أصبح سعر البرميل، مما يجعله أسعد أخبار هذا العام حتى الآن. فقد كانت التوقعات أن تستمر أسعاره في الانحدار إلى العشرينات من الدولارات، وتتسع الأزمة الاقتصادية حتى تهز كل المنطقة، لا الدول المصدرة للبترول فقط. وهذا الصعود الصامت للسعر لا يمنع أن ينتكس ويبدأ مرحلة جديدة من الآلام الاقتصادية، إنما أعادت الدولارات شيئا من الروح للأسواق المتعبة.

ويعزى سبب الارتفاع الأخير إلى الاضطرابات في مناطق النفط النيجيرية، واستمرار الإصلاحات في بعض منشآت النفط في منطقة الشرق الأوسط، التي اختارت التوقيت الأقل كلفة لوقفها، إضافة إلى استمرار المعارك في محيط المناطق المنتجة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق.

سعر النفط الرخيص في إجازة مؤقتة، وربما يعاود الهبوط من جديد، إن لم يكن هذا العام ففي السنوات القريبة، ونترك قراءة الاحتمالات لخبراء سوق البترول، لكن انعكاساته ومخاطره قضية تهمنا جميًعا، من مهتمين بالشأن السياسي إلى الاجتماعي. كابوس النفط الرخيص بدأ مع استخراج النفط الصخري بكميات اقتصادية، وتزايد حصته المنافسة في السوق إلى درجة جعلت من الولايات المتحدة دولة مصدرة للبترول! بسببه نشعر للمرة الأولى أننا نواجه تهديًدا حقيقًيا للواقع الذي تعودنا عليه منذ عقود، دول المنطقة تعتمد على النفط بوصفه سلعة شبه وحيدة، هو مصدر حياتها. وهذا لا يخص دول الخليج، بل يشمل دولاً مثل مصر، التي تعتمد على جزء كبير من مداخيلها على بيع النفط وتحويلات مواطنيها في الدول النفطية،

وليس على صادراتها الزراعية أو الصناعية كما يظن. وبقية الدول التي لا تملك نفًطا أيًضا تعيش جزئًيا عليه، إما ببيع منتجاتها المختلفة لأسواق الدول النفطية، أو من تحويلات عمالتها، أو تعتمد على المساعدات المالية. والوضع أصعب للدول الخليجية، لأنها لا تملك خيارات بديلة في الوقت الراهن. استيقظ حس الخوف عندها بسبب الهبوط المتسارع لأسعار البترول، ورافقه وقف لكثير من المشاريع الحكومية، وتباطؤ الدفع للشركات المتعاقدة، وقلصت المدفوعات للموظفين خارج مرتباتهم. كل هذا خلق مناًخا متشائًما من جانب، ومن جانب آخر جعل كثيرين يقبلون فكرة التغيير الاقتصادي، اقتناًعا بأن الوقت قد حان لتقليل الاعتماد على بيع النفط.

لكن يفترض أن عودة الروح لسوق النفط، بعد ارتفاع سعره، لا تعيدنا إلى إدمانه. فقد جلب الخوف من هبوط سعر البترول، والقلق من مستقبله في الأشهر الستة الماضية، شعوًرا جماعًيا إيجابًيا مؤيًدا لمشروع إصلاح الاقتصاد وإعادة هيكلته. وهذا ما جعل ممكًنا رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء في السعودية. لمسنا تفهًما كبيًرا لحاجة الفطام عن سياسة الإعانات الكبيرة التي تنفق على السلع والخدمات، التي بلغت حجًما يهدد بغرق الحكومة، بل يهدد مستقبل الأجيال المقبلة التي لن تجد ما يكفيها حتى لو أصبحت أسعار النفط مرتفعة.

ولا أريد تكرار الحديث عن ضرورات التغيير، بما قد تعنيه من قسوة على شرائح واسعة من المواطنين الذين يواجهون لأول مرة استحقاقات الانتقال الاقتصادي، إنما من المهم أن نقول إن الأخبار البترولية السعيدة، إن دامت طويلاً، يفترض ألا توقف قطار التطوير الاقتصادي، آخذين في الاعتبار أنها ليست سعيدة جًدا. فسعر الخمسين، وإلى السبعين، دولاًرا للبرميل لن يكفي لتسديد نفقات الحكومة، وسيستمر العجز المالي في الميزانية، لكن ليس بتلك المسافة الكبيرة.

من الجانب السياسي، بكل أسف سيتسبب ارتفاع أسعار البترول في زيادة تمويل الحروب في المنطقة، ورفع وتيرة الاضطرابات. فالبترول نفسه سبب للصراع وممول للفوضى، ومن دون أن تكون هناك سياسة جماعية متأنية تعمل على تفادي الحروب فإن كل ما تحصده دول المنطقة من دولارات البترول سيحترق في حروب عبثية. هل يمكن إقناع دولة مثل إيران، التي لم تعرف في تاريخها الحديث عصًرا زاهًرا واحًدا، ولم تستفد قط من مواردها البترولية بسبب انشغالها في الحروب؟ لا أدري، لكن يفترض أن تفكر كذلك. لا قيمة لاتفاقها النووي، وانفتاحها الاقتصادي إن كانت عازمة على رفع إنفاقها على الحروب وتمويل ميليشيات المنطقة.

ورغم ارتفاع سعر البترول وفتح كل أسواق العالم لها لتبيعه وتأخذ مقابله دولارات خضراء فإنه لن يكفيها إن لم تبدل فهمها للعالم من حولها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الروح للبترول عودة الروح للبترول



GMT 08:13 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تصفير الخلافات منذ اتفاق العلا

GMT 08:13 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

«البوليفارد» مسرح التغيير الكبير

GMT 08:27 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

صعود القذافي الابن

GMT 07:39 2021 الأحد ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بين الرياض وبيروت

GMT 04:28 2021 الخميس ,30 أيلول / سبتمبر

الخلاف حول اليمن

GMT 11:28 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية يؤكد أن الوضع الأمني في تونس مستقر

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:03 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

لن يصلك شيء على طبق من فضة هذا الشهر

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 10:32 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أُنس جابر تنهي موسمها من أجل التعافي من الإصابة

GMT 20:35 2013 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

"قُبلة" في الطريق تُكلِف فتاة تونسية شهرين خلف القضبان

GMT 05:54 2015 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"الأهلي" يكسب مباراته الودية أمام "دبي" الإماراتي

GMT 00:43 2013 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

"آدم" سيارة شبابية جديدة من "أوبل"

GMT 18:25 2019 الخميس ,07 آذار/ مارس

ليلة مسرحية في اتحاد كتاب الإمارات

GMT 18:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia