رحيل جيل

رحيل جيل

رحيل جيل

 تونس اليوم -

رحيل جيل

عمرو الشوبكي

ربما كان وقع وفاة شاعرنا الكبير عبدالرحمن الأبنودى على كثير من أبناء جيلى هو الإحساس بأن رموز جيلنا بدأت فى التساقط، وأن الأسماء التى كانت بالنسبة لنا ونحن طلاب هى نخبتنا ورموزنا الثقافية والسياسية والرياضية غيب الموت كثيرا منها.

فوفاة الأبنودى ولاعب كرة القدم حسن الشاذلى، (كان نموذجا نادرا فى الإخلاص والتفانى)، الذى قد لا يتذكره كثير من الأجيال الجديدة فى نفس الأسبوع، عمقت لدى الكثيرين الشعور بأن هناك وجوها جميلة أحببناها فقدناها دون أن نشعر بأن هناك من يحل مكانها.

والمؤكد أن علاقة الشعب المصرى بالأبنودى هى علاقة مركبة، فالرجل الذى لم ألتقه إلا مرة واحدة كان بالنسبة لكثير من البسطاء هو ما يسمعه من أغانى عبدالحليم حافظ وأحمد رشدى وغيرهما، لأنه لا يعرف القراءة والكتابة، وهى بالنسبة لقطاع آخر تذوق شعرى رفيع، لأنه قرأها فى دواوينه قبل (أو بعد) أن تصبح أغانى فتذوق موهبة الأبنودى الشاعر قبل أن يغنيها أى من مطربينا الكبار (والراحلين أيضا).

جيل الخمسينيات والستينيات فى مصر، الذى اقترب كثير من رموزه الآن من الثمانين عاما، غيب الموت كثيرا منهم، ولعل الأبنودى كان واحدا من أهم وألمع أبناء هذا الجيل، فهو موهبة وطنية وإحساس بالفترة الأبرز فى تاريخ مصر، أى فترة التحرر الوطنى والنضال ضد الاستعمار التى قادها جمال عبدالناصر.

الأبنودى لم يكن شاعراً، إنما هو أيضا مؤرخ لعصور مصر الثلاثة، فانتمى وجدانياً وسياسياً لعصر عبدالناصر وعارض السادات ومبارك وكانت قصيدته الشهيرة فى وجه نظام مبارك «ارحل بقى»، بعد 30 عاما من الفساد والاستبداد، وصوتا للملايين من أبناء الشعب المصرى الذى حلموا بالتغيير وبناء نظام جديد.

والحقيقة أن مؤيدى السادات ومبارك لم يكرهوا الأبنودى، وربما أحبوا كل قصائده إلا تلك التى هاجم فيها زعيمهما، على عكس الإخوان الذين أطلقوا طاقة كراهية وغل تجاه الرجل لأنه عارضهم بشدة وأبدع فى أكثر من قصيدة تدين حكمهم ومرشدهم وجماعتهم.

وكما هى العادة مع كثير من رموز مصر الذين اعتادوا أن يختلفوا مع النظم السياسية فإن أنصار كل نظام لم يعاملوا معارضيهم مثلما يفعل الإخوان من شماتة فى الموت وكأن أعضاء الجماعة لا يموتون.

والسؤال: ما الذى يجعل الأبنودى يحب عبدالناصر والسيسى ويرفض مبارك والإخوان إلا قناعاته وما يؤمن به من أفكار وما يحس به من مشاعر، وإذا كان شاعر سلطة لكان أيد ناصر والسادات ومبارك والإخوان والسيسى، كما فعل البعض بكل أسف.

لم يشعر أبناء جيلى، الذين تجاوزوا الخمسين عاما، بأن جيل الأبنودى عطل مسيرتهم أو بأن وجودهم هو العقبة أمام نجاحه وانتشاره (باستثناء الفشلة والخائبين)، كما يفعل بعض الشباب الآن تجاه كل من يكبرهم فى العمر، صحيح أن من حق الأجيال الشابة أن تتجاوز من هم أكبر سناً، ولكن بالعمل والجهد والإبداع وليس بالإقصاء.

رحم الله الأبنودى شاعرنا الذى أحببناه وافتخرنا به وشعرنا دائما بأنه جزء منا.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل جيل رحيل جيل



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 14:23 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الخميس 29-10-2020

GMT 07:56 2014 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

انتخاب أبو زيد رئيسة لـ"الاشتراكي" في "النواب"

GMT 11:46 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بعض مناطق النجم العملاق المشتعل أكثر سخونة من مناطق أخرى
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia