مافيا الدروس الخصوصية

مافيا الدروس الخصوصية

مافيا الدروس الخصوصية

 تونس اليوم -

مافيا الدروس الخصوصية

عمار علي حسن

لم تعد كارثة انهيار التعليم وتصاعد مافيا «الدروس الخصوصية» خافية على أحد فى مصر، فكل الأسر التى لديها تلاميذ وطلاب فى مختلف المراحل التعليمية، بدءاً من دور الحضانة وانتهاء بالجامعات، تدرك هذا الأمر جيداً، وتعانى منه أشد المعاناة، ورغم أنينها الذى يكاد يصم الآذان فإن أحداً لا ينصت إليها، وهى تمضى شاكية باكية فى أنينها بل وصراخها الذى لا تملك إلى غيره سبيلاً فى ظل حرصها على أن يحصل أولادهم على شهادات بأى ثمن حتى لو كانت فارغة من المضمون، وتشكل عبئاً جسيماً على مستقبل بلدنا، لضعف مستوى الخريجين والتهام ميزانية الدروس الخصوصية، 15 مليار جنيه من جيوب المصريين.

وإذا تحدث الباحثون فى التربية والتعليم والمفكرون والمثقفون والكتّاب أو حتى أولياء أمور الطلاب، بإفراط عن هذه المأساة، فهذا أمر طبيعى ومألوف، لكن أن يُقدم مدرس على هذا، فى شجاعة وإخلاص، فهذا نادر الحدوث، فالأغلبية تحجم إما خوفاً من العقاب الإدارى، أو حرصاً على المصلحة المباشرة، أو إيثاراً للسلامة.

والأستاذ «جمال سيد عبدالوهاب» مدرس اللغة العربية بمدارس «آمون» والشاعر، هو واحد من هؤلاء النادرين بين مدرسينا أو القائمين على العملية التعليمية برمتها. ولهذا أدهشتنى صراحته تلك وهو يقول لى: «متوسط ساعة الدروس الخصوصية يصل إلى 150 جنيهاً، ولدىّ أسماء وعناوين ومواعيد وأسعار موثقة تحت أمر من يهمه الأمر»، بل يصف المدرسة ذاتها بأنها «تحولت إلى مكان لملء البطون دون النظر أو الاهتمام بالعقول، ومكاناً لعقد صفقات الدروس الخصوصية مع الطلاب، والاتفاق على تفاصيل هذه الجريمة التى يشارك فيها الضحية عن طيب خاطر، ظناً منه أنه يشترى النجاح والتفوق لابنه، وولى أمر الطالب ليس أمامه مفر سوى الرضوخ لطلبات السيد المدرس فى المنزل أو «السنتر»، حيث لا يستطيع ابنه أن يحصل على التعليم سوى بهذه الطريقة».

ويلفت عبدالوهاب النظر فى كلامه الصريح إلى أن «جدران شوارع المحروسة امتلأت بأسماء أباطرة الدروس وأرقام هواتفهم المحمولة، ويطلقون على أنفسهم ألقاباً غريبة مثل «قرصان الرياضيات» و«أخطبوط اللغة العربية» و«سفاح الكيمياء» و«مرعب الفيزياء» و«ساحر الأحياء» و«قناص التاريخ والجغرافيا» و«جراح علم النفس والفلسفة» و«جبابرة اللغات»، ويقول: «الدولة رصدت 8 مليارات جنيه لكادر المعلمين حتى يتقوا الله فى التلاميذ ولكنهم لم يفعلوا، بل تحول بعضهم إلى رجال أعمال، وأصبحت مقرات الدروس الخصوصية مثل الشركات التى يديرها رجال أعمال، وتنافسها الجمعيات الخيرية، دون رقيب من المحافظين، ودون رادع من القانون الذى يكتفى بالعقوبة الإدارية للمدرس».

بل يذهب فى نظره إلى الدروس الخصوصية إلى ما هو أبعد من هذا حين يؤكد أن «الدروس الخصوصية لا يقل خطرها عن الإرهاب الذى تمارسه الجماعات التكفيرية، إنه إرهاب من نوع جديد، يقتل الفرحة فى قلوب أولياء الأمور، ويسلب ما فى جيوب الغلابة، رغم أن الدروس سيطرت سلبياً على شخصية متلقى التعليم من الحضانة إلى الجامعة».

ويطلب الأستاذ جمال هنا، وعبر مقالى هذا، أن يوجه رسالتين، الأولى إلى وزير التربية والتعليم ويسأله سؤالين: يا معالى الوزير، إلى متى ستظل صرخاتنا تذهب أدراج الرياح؟ وإلى أى مدى من العذاب والمعاناة سوف يتحمل المصريون جرّاء مافيا الدروس الخصوصية؟» ثم يقول له: «إن ما يحدث فى المجتمع المصرى وما يجرى للأسر المصرية لأشبه بسطو مسلح وممنهج، حيث تُغلق فصول الثانوية العامة نتيجة غياب الطلاب وعزوفهم عن الحضور للمدرسة وتراخى المدرسين حيال ظاهرة الغياب علاوة على إهمالهم فى الشرح داخل الفصل، بينما ينصب اهتمامهم على تنظيم مواعيد الدروس الخصوصية فى البيوت، لتصبح هى البديل الوحيد للمدرسة».

ولكل هذا يطالب مدرس اللغة العربية وزير التربية والتعليم بـ«سرعة التدخل واتخاذ ما يلزم من قرارات وخطوات لرفع المعاناة عن كاهل الأسر المصرية، والنظر بعين الرحمة والاهتمام لمستقبل أبنائنا»، بل يقرع جرس الخطر، ويقول للوزير: «منظومة التعليم فى مصر تعانى من تدهور مخيف نتيجة تراكم الأمراض المزمنة فى الهيكل التعليمى خلال السنوات السابقة.. إن المسكنات لن تفلح فى العلاج، ولا بد من تدخل جراحى، وبتر كل العناصر الفاسدة فى المنظومة التعليمية، وإقصاء كل متكاسل فى أداء واجبه».

أما الرسالة الثانية فيوجهها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويقول له: «سيادة الرئيس، كما أمرت بحفر فرع جديد لقناة السويس، نناشدك أن تُحفر مقبرة الدروس الخصوصية فى عهدك».

تحية للأستاذ جمال سيد عبدالوهاب على شجاعته وصراحته وإخلاصه وحرصه على المصلحة العامة، وأتمنى أن تصل كلمته إلى من يهمهم الأمر.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مافيا الدروس الخصوصية مافيا الدروس الخصوصية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 11:28 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية يؤكد أن الوضع الأمني في تونس مستقر

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:03 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

لن يصلك شيء على طبق من فضة هذا الشهر

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 10:32 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أُنس جابر تنهي موسمها من أجل التعافي من الإصابة

GMT 20:35 2013 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

"قُبلة" في الطريق تُكلِف فتاة تونسية شهرين خلف القضبان

GMT 05:54 2015 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"الأهلي" يكسب مباراته الودية أمام "دبي" الإماراتي

GMT 00:43 2013 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

"آدم" سيارة شبابية جديدة من "أوبل"

GMT 18:25 2019 الخميس ,07 آذار/ مارس

ليلة مسرحية في اتحاد كتاب الإمارات

GMT 18:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia